حمود الغيلاني وقضايا كتابة التراث الشعبي العماني

ناصر  أبو عون – شرفات – جريدة عُمان

حمود الغيلاني كاتب صاحب قلم شفاف حد البراءة يقع إبداعه في المنطقة الوسطى ما بين التأريخ والأدب الشعبي .. انحاز إلى تدوين التاريخ العماني من أفواه النواخذة والمعمرين والبسطاء والجدات على قارعة الحارات العمانية في ( صور ) منطلق الرحالة والمكتشفين إلى عالم البحار مأخوذ بالسير في المجهول يكتب وكأنه يحكي للأطفال والمفترشين رمال الشاطئ والمتحلقين حول مربع ( الحواليس ) تحمل حكاياه الشعبية بتعبير ( نبيلة إبراهيم ) من الرموز الإشارية ما يمكن أن يستوعب حركة الفرد والمجتمع، أولنقل حركة الفرد في إطار الحركة الدينامية للمجتمع .


++ الحكاية والسؤال النقدي ++

إن الدخول إلى الحكاية الشعبية العمانية من عالم حمود الغيلاني يطرح العديد من التساؤلات  وأهمها:هل تمتلك كل من الحكايات الخيالية (fairy tales) العمانية نفس البنية ؟ و هل تمتلك أنواع الحكايات الشعبية الأخرى ( حكاية الحيوان,حكاية الفكاهة… وغيرها) نفس بنية الحكايات الخيالية كما جاءت في نظريه فلاديمير بروب ؟ وهل تنطبق نظرية بروب على كل من الحكايات الشعبية العمانية كما تنطبق على الحكايات الشعبية لدى الشعوب الأخرى وخاصة في إفريقيا وآسيا ؟

ولكن الأسئلة الملحة على الباحثين في التراث الشعبي العماني وبخاصة في حكاياتنا الشعبية كثيرة منها: كيف نميز بين ما نسميه الحكاية الخرافية عن غيرها من أنواع الحكايات ؟ هل مجرد وجود أفعال أو قوى خارقة في الحكاية كحكايات السحر وحكايات الغيلان والجن تكفي لأن نصنفها من الحكايات الخرافية ؟ هل هناك معايير يمكن استعمالها للتمييز بين الحكايات الخرافية وغيرها ؟ وباختصار شديد ما هي الحكاية الخرافية وما صفاتها ؟

إن التأويل النقدي للحكاية يمنحنا الإحساس بإعادة إنتاج المعنى الذي لا يفترض خلوه من أصالته في الحاضر .إن المسافة الزمنية التي تفصلنا عن الماضي ليست فاصلاً ميتاً بل هي تحويل إبداعي للمعنى، وهو ما أطلق عليه ( بول ريكور ) التراثية حين يرى أن الماضي يضعنا موضع سؤال، قبل أن نضعه نحن موضع سؤال . وفي هذا  الصراع وإثارة الأسئلة لمحاولة التعرف على المعنى، يتناوب النص والقارئ بين الألفة والغرابة.

++ إشكاليات القصص الشعبي ++

إن قصص وحكايات حمود الغيلاني تحمل في طياتها بعض الإشكاليات وأهمها تداخل النص والقراءة وتعبير ( معجب العدواني ) فهي حكايات  ناتجة عن تفعيل هذه المفاهيم في فضاء الحكاية الشعبية ومنها ما  يتمثل في ذلك التحويل الآلي من الصورة الشفاهية المجازية في الموروث الشعبي إلى دائرة  المكتوب.

لأن النص الحكائي الشعبي شكل لغوي لشكل آخر سابق عليه وهو النص الذي يحقق في عمليته هذه تداخل النصوص وتشابكها، وترجع أهمية النص المدوَّن إنه يفسح المجال للمقارنة بينه وبين النصوص الشفاهية الأخر من جانب، والنصوص المدونة من الجانب الآخر.

++ مضامين الحكايات الشعبية ++

إن القراءة الأولية لحكايات حمود الغيلاني الشعبية تحمل العديد من المضامين تتقدمها الأنساق  الاجتماعية والإنسانية التي عالجت فيها الحكايات والسير قضايا الفقر والجوع والظلم والقهر والعدل والمساواة ولا تخلو الحكايات من نماذج واقعية تصوّر أوضاع الصناع والعمال والرعاة والصيادين وغيرهم خلال مكافحتهم لتحصيل لقمة العيش. لكن في النهاية تحلّ الحكاية مشكلة الفقر بالكنز المكتشف بالمصادقة أو الخاتم السحري وخادمه العفريت – بتعبير ( مصطفى محمد الصوفي ) – وكأن الخيال الشعبي يبدأ ثمَّ يدور في حلقة مفرغة تعبر عن طموحاته وأحلامه في الحياة.‏

ثم تأتي المضامين العقيدية حيث  تقوم عقائد العامة على الإيمان العفوي البسيط بالخالق رب السموات والأرض الذي بيده مقاليد كل شيء، والتسليم بالقضاء والقدر واعتماد الخوارق والكرامات كحلول للمشكلات الصعبة، وتؤمن بوجود قوى خفية يمكن أن تتدخل في الوقت المناسب لإنقاذ الموقف غير أن المضامين  السياسية ينطلق منها حمود الغيلاني ليجسّد عبرها الخيال الشعبي مشاعر الانتماء الوطني وطموحاته المشروعة في تحقيق حلم الأمة الواحدة ، التي تحتل مكانتها المرموقة بين الأمم. فينتقل الراوي بسهولة ويسر بين المدن والبلدان ويتجاوز الحدود والحواجز ببساطة وكأنه يتنقل في دولة واحدة من المحيط إلى الخليج، رغم اختلاف الحكام والملوك من مدينة إلى أخرى

وتأتي المضامين العاطفية والأخلاقية لتشكل حجر الزاوية في كل حكاية ويشتغل على ( ثيمة السرد القصصي) فتبدو أحداث الحكاية وكأنها تجري دائماً على صورة صراع بين القوى الخيّرة الصالحة والقوى الشريرة، بينما تأتي خاتمة القصة معبرة عن تطلعات الإنسان في انتصار الخير وتحقيق العدل، وامتلاك الثروة أو السلطان، أو الزواج من الحبيبة وتخليف الصبيان والبنات، فيتزوج الأمير من الفتاة الفقيرة والأميرة تتزوج الصياد الفقير.‏

لابدّ للإنسان أن ينتصر أخيراً على كل القوى (الطبيعية والخرافية) بشتى الطرق والأساليب: (القوة الخارقة ـ السحر ـ الحيلة…الخ)، لتأتي الحكاية تعويضاً بسيطاً عن حالة العجز والفقر والظلم الذي يعيشه الإنسان. فالحكاية تهدف إلى نشر الفضيلة والأخلاق الحميدة بين الناس والحض على التعاون وتقديم العون للمحتاجين والفقراء والتضحية والإيثار وإنقاذ الضعفاء من المصائب ومساعدة اللذين يقعون في الضيق أو مأزق ما. وغالباً تغلب هذه المضامين الخير على الشر.

++ لغة وبنية الحكاية الشعبية ++

تتكرر في الحكاية الشعبية عند حمود الغيلاني الصيغ التعبيرية الطقسية منها والجاهزة بإيقاع معين، فقد تبدأ الحكاية مثلاً بصيغة «كان » مما يضع الحدث في ماض غير محدد لا يتوافق مع الماضي التاريخي. وتتميز لغة الحكاية مثلاً بالسجع والطباق والجناس مما يعطي إيقاعاً للسرد. وشفوية الحكاية تدفعها للاعتماد على الصيغ الكلامية لتقوية الذاكرة، إذ توجد فيها عبارات متوازية أو متعارضة، وشخصيات تميل إلى النمطية، وتكتسب أبعاداً بطولية أحياناً، وهي شخصيات عجيبة تكون معيناً للذاكرة، ولكي تضمن الحكاية الشعبية أهميتها وقابليتها للحفظ توضع في صيغ تعبيرية تساعد على تذكرها، مثل: ( الأميرة الجميلة ) ،( النوخذة الشجاع ) ، ( الشيخ الحكيم ) ،…، إن وجود مثل هذه الصيغ يساعد في ترسيخ المعنى في الذاكرة.

إن قواعد البناء في الحكاية الشعبية عند حمود الغيلاني محددة، بحسب رأي الباحث الدنماركي أكسل أولريك A.Olrik الذي حدد القوانين الملحمية للأدب الشعبي فغالبا لايبدأ  الغيلاني الحكاية الشعبية فجأة بالحركة، كما أنه لا ينتهيها فجأة، بل هناك «قانون للبداية» و»قانون للنهاية» تسير بحسبهما بداية وخاتمة الحكاية. ولكنه إذا ما أراد أن يبرز حادثاً كرره  ، وكثيرا ما يعتمد الغيلاني قانون التناقض حيث تصور الحكاية الشعبية دائماً النقيضين: الكبير والصغير، الغني والفقير، الشاب والكهل، الشيطان والإنسان.

Exit mobile version