الدلالة اللغوية والبعد الزمني

الدلالة اللغوية والبعد الزمني
محمد بن مبارك عيد العريمي(باحث ومترجم من سلطنة عمان)

تذكر المعاجم أن كلمة صور تعني القرن وتستشهد بالآية الكريمة “ونفخ في الصور” وبعضها ينسب الاسم لكلمة “صر” التي تعني صخرة في اللغة الفينيقية. ولعل الاسم يعود أيضا الى الكلمة العربية “صير” وتعني جزيرة رملية.

وأيا كان مصدرا لاسم أو دلالته، فإن الشكل الجغرافي للمدينة واطلالتها البحرية يؤكدان صحة كل ما ذهبت اليه المحاولات الثلاث لتفسير معنى كلمة “صور” فإذا كانت تعني قرن، فهي تقع على ساحل هلال الشكل له نتوءان صخريان يمتدان في البحر ويطلق عليهما رأس الميل ورأس القاد. وكلمتا رأس وقرن شائعتا الاستخدام على طول السواحل والصحاري العمانية لوصف كل امتداد صخري داخل البحر أو نتوء جبلي وسط سهل صحراوي مستو.
أما إذا كانت مشتقة من المفردة الفينيقية “صر” فهذا يعزز ما أورده المؤرخ والرحالة اليوناني هيردوتس ( 484 – 425 قبل الميلاد) المعروف بأبي التاريخ، حيث ذكر في كتابه “التاريخ » أن الفينيقيين هاجروا من مدينة صور العمانية الى الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط قبل 0 350 سنة واستقر بعضهم في لبنان حيث أسسوا على ساحلها مدينة أطلقوا عليها نفس الاسم. ويذكر أن سكانها قالوا له أن أجدادهم نزحوا من الخليج حيث كانت لهم مستوطنات على طول سواحله وجزره ونقلوا معهم فنون الملاحة التي برعوا فيها في البحار العربية فتمكنوا من مد نفوذهم التجاري وبسط حضارتهم العظيمة على الساحل المتوسطي والشاطيء الافريقي. (1)
وهذا تفسير مقبول إذا أخذ في الاعتبار الشكل الجغرافي والاطلالة البحرية للمدينتين فالصدفة وحدها لا يمكن أن تصنع كل هذا التشابه في الاسم والموقع معا.
ومما يضفي مصداقية على هذا الرأي هو طريقة كتابة اسم صور بالحروف اللاتينية ففي الخرائط الجغرافية القديمة التي تأتي على الشكل التالي” SUR”. وصوت هذه الكلمة باللغات اللاتينية لا يعطي الصوت المكتوب بالحروف العربية “صور”، فهي، أي ,SUR تنطق على وزن ” صن SUN ” أو رن , RUN وبالتالي فإن صور العمانية ربما كان يطلق عليها في يوم ما” صر SUR “. كما أن كلمة SUR” ” وردت في شروح المؤرخين للدلالة على اسم “صر» الذي وجدره في ألواح ومسلات الكتابات الفينيقية والأشورية وهو الاسم القديم لمدينة صور اللبنانية. واذا كان الاسم مشتقا من كلمة “صير» العربية للدلالة على اطلالتها البحرية، فهي بالفعل شبه جزيرة رملية توسعت في العصور التاريخية الحديثة حول نتوء صخري (يقع حاليا في وسط المدينة) لايزال يبوح حتى الأن، رغم بعده عن الشاطيء بعدة كيلومترات، بانتمائه للبحر من خلال القواقع والأصداف المتحجرة بين طبقاته. وهذا يعزز أيضا الاعتقاد أن صور القديمة كانت تقع على الجانب البري من الخور (لسان بحري داخل اليابسة) حيث تقع الآن قرية نسمة المعروفة سابقا باسم «مخروان » وهي حالة تشترك فيها المدينتان – اللبنانية والعمانية – أيضا.
وعلى بضعة أميال تقع توأمها مدينة قلهات الاسطورية: أول عاصمة سياسية لعمان في القرن الثاني قبل الميلاد. ففيها حل مالك بن فهم الأزدي واتخذ منها محطة توقف خلال هجرته من اليمن، حيث أعاد تجميع قواته وترك النساء والشيوخ فيها قبل أن ينطلق لمداهمة الفرس في قواعدهم بمدينة صحار في شمال عمان وذلك بسبب رفضهم لمجيء قبيلة الى عمان. ولعل الفرس عرفوا قلهات من قبل، ولربما طردوا منها، لكونهم عادوا اليها خلال الغزو الهرموزي في عام 0 130م وطوروها لتحتل مكانة بارزة كأكبر ميناء على طول الساحل العماني وكعاصمة ثانية لامبراطورية هرموز التي امتد نفوذها آنذاك ما بين العراق والهند وشرق افريقيا، وآحتمال آخر هو أن قلهات استعادت مجدها الغابر كمركز تجاري لاعادة تصدير السلع نتيجة لازدهار جارتها صور وخاصة في مجال الملاحة التجارية وبناء السفن.
ولقد ظلت قلهات كحال شقيقتها صور لغزا محيرا حتى في أوساط المؤرخين والأثاريين. فماركو بولو ( (1254- 1323م) ذكر في أخبار رحلاته وصفا لمينائها الكبير الذي تؤمه بكثرة سفن التجار القادمة من الهند بسبب أهمية موقعها لاعادة تصدير التوابل والسلع الى داخلية عمان ومدن المنطقة لكنه لم يشر الى تاريخها الموغل في القدم.
وأشار الرحالة العربي ابن بطوطة ( 1304- 1377م) في كتابه “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”، التي جاءت بعد زيارة ماركو بولو بخمسين عاما الى زيارته لقلهات بعد زيارة مدينة صور، وأشاد بجمال المدينة وخاصة مسجدها الذي أقيم على الطراز الاسباني، فيقول “يوجد في قلهات أسواق ممتازة ومسجد جميل زين بالقرميد يقع فوق رابية تطل على المدينة ومرفئها. أهلها أصحاب تجارة تعتمد كليا على التعامل مع السفن القادمة من الهند». وكحال المدينتين مع ماركو بولو أغفل الرحالة العربي أيضا ذكر تاريخ أي منهما.
وصور، سواء كانت موطن الفينيقيين القداس أم لا، هي دون لبس مدينة عريقة ساهمت على مدى قرون مساهمة فاعلة في شهرة عمان البحرية، ولعبت دورا بارزا في تاريخ المنطقة كلها، فقد كانت مهارات أبنائها بفنون الملاحة ومعر فتهم الواسعة بأسرار البحر جسرا عبرت عليه حضارات معظم الشعوب المطلة على بحر العرب وغرب المحيط الهندي. وكان لسفنهم دور رائد في نقل العمانيين، فامة وأبناء المناطق الجنوبية من الجزيرة العربية، عامة، لاستكشاف وفتح الساحل الشرقي من افريقيا ونشر الدين الاسلامي والثقافة العربية في انحاء كثيرة من افريقيا وأسيا.
وكان اتصال أهلها بالخليج وجنوب الجزيرة وشرق افريقيا وجنوب شبه القارة الهندية سابقا لسيط اليعاربة البحري الذين انطلقوا الى افريقيا لمطاردة فلول البرتغاليين من قواعدهم البحرية في مسقط. فلقد عرفتهم موانيء الخليج وبلاد فارس والهند، وأبحروا شرقا مستعينين بالرياح الموسمية (رياح التجارة) الى مالابار بالهند أو جنوبا الى الساحل الافريقي حتى رأس ديلجادو ومدغشقر. ولقد تعزز دورهم أكثر فأكثر مع سيطرة العمانيين على تجارة التوابل والحرير واللبان والخيول، وأصبحت صور من الموانيء البحرية الرئيسية كصحار وقلهات ومسقط. وتعد تجارة البن ما بين اليمن والبصرة من أبرز علامات تلك المرحلة ففي عام 1765م كان “أسطول البن ” يتكون من 15 سفينة عمانية جلها من مدينة صور.(2)
ولقد كانت صور ابان توسع الامبراطوريات العمانية تحت قيادة السيد سعيد بن سلطان في القرن التاسع عشر تمتلك أسطولا يضم أكثر من 250 سفينة كبيرة عابرة للبحار العالمية تنقل البن المخاوي والتمر والليمون والأقمشة والأرز والأسماك الى ساحل شرق افريقيا وتعود الى عمان بالسمن والقرنفل وأخشاب الجندل (المنغروف)، التي كانت تستخدم لبناء أسقف المنازل في الخليج العربي، ثم تبحر شمالا الى البحرين والكويت والبصرة وشرقا الى الهند.
واشتهرت المدينة بتجارة “الترانزيت ” حيث كانت مركزا تجاريا وسوقا وسطية بين الهند ومناطق عمان الشرقية والجنوبية لمدة طويلة حتى قبل ازدهار جارتها مدينة قلهات التاريخية. ويعتقد أنها واصلت ممارسة ذلك الدور بعد توسع قلهات ولكن – ربما – بشكل أقل شأنا. وبعد الدمار الذي أصاب قلهات على يد البرتغاليين في بداية القرن السادس عشر، ازدهرت وأصبحت واحدة من أهم الأسواق التجارية في عمان.
الاغفال: عرقتها المرافيء وجعلها المؤرخون
رغم شهرة صور الواسعة، قبل القرن التاسع عشر، في الخليج وشرق افريقيا والهند، إلا أن ثمة تنويهات محددة عنها في كتابات الرحالة والمؤرخين الأوروبيين والعرب على حد سواء. وهو مثار استغراب خاصة وأن صور هي المدينة المرتبطة الآن في الأذهان بتقاليد الملاحة العمانية. بيد أن بعض المهتمين المعاصرين بتاريخ المدينة يقولون بأسباب هذا الاهمال. فالدكتور محمد رضا باقر يعتقد أن وفرة المياه العذبة نسبيا، سواء كانت من آبار مسقط أو أفلاج صحار أو مياه الوديان في سهل قلهات، هي العامل المشترك بين كل المواني، التي برزت بعد ظهور الاسلآم وهو ما تفتقر اليه صور، فمواردها المائية محدودة وغير كافية لتزويد السفن الأجنبية بحاجاتها من المياه.(3)
أما الدكتور أحمد درويش فيعزي ذلك الاغفال الى ما يسميه “تضييق دائرة مفهوم العلم والأدب في الحضارة العربية، حيث يذكر أن بعض المدن حظيت بنصيب أكبر من الاهتمام بسبب ميلها الى العناية أكثر بالعلوم النظرية بينما بقيت مدن أخرى أقل حظا في المعالجة والاهتمام بسبب اتجاه نشاطاتها الى الجوانب التطبيقية والعملية. وبالتالي فقد حازت العلوم النظرية وفنون القول على اهتمام أكبر وتسجيل أدق على حين أهمل الجانب العملي حتى اختفت أسماء كثير من كبار الصناع المهرة والمخترعين المثابرين بينما بقيت أسماء كثير ممن كتبوا الشعر أو خطوا الرسائل أو ألفوا الكتب. واذا كان هذا هو حظ العلماء والحرفيين من أصحاب الميول العملية في تاريخ الحضارة العربية، فإننا نستطيع أن نتبين حظ المدن التي اتجه نشاطها الحضاري الى الناحية العملية فقلت الكتابة عن علمائها وصناعها كما هو شأن مدينة صور ومدن أخرى عربية شغلت بالنشاط العملي(4).
ولعل السببين ساعدا معا على غياب ذكر صور من مراجع ومؤلفات الرحالة والمؤرخين، لكن ثمة اعتقادا آخر ربما يزيح بعض الغموض الذي يكتنف تاريخ المدينة. فشهرة صور في المدن والمرافيء الساحلية بجنوب الهند وشرق افريقيا تعود، كما أعتقد، الى الانسان أكثر منها الى المكان. فهذه المناطق عرفت التجار والبحارة الصوريين المعروفين بمهاراتهم الملاحية وعلمهم الواسع بأسرار البحر وخفاياه حيث لعبت السفن الصورية دورا بارزا في اتصال حضارات تلك الشعوب وساهمت في التبادل التجاري والاقتصاد الملاحي بين مدن شرق افريقيا وجنوب الهند والجزيرة العربية. وهكذا قامت صلات تلك المناطق مع الانسان وليس مع المكان، فعرف الصوريون وجهلت مدينتهم.
وهذا يفسر لماذا لم تحظ المدينة بالذكر في المراجع التاريخية كسواها من الموانيء العمانية رغم موقعها الاستراتيجي على خطوط الملاحة وطبيعة جغرافيتها، فخورها الطويل الهاديء يشكل ملاذا آمنا للسفن من الرياح وأمواج المحيط العاتية، بالاضافة الى موقعها على مصب وادي الخليج الذي يعد طريقا سهلا الى المناطق العاتية. بالاضافة الى موقعها على مصب وادي الخليج الذي يعد طريقا سهلا الى المناطق الداخلية. لكن يبدو أن عزلة المدينة كانت رحمة لها فقد أفلتت على نحو كبير من التدمير المتعاقب الذي أصاب الموانيء العمانية الأخرى خلال الغزو الفارسي والبرتغالي للبلاد.
صور في محكمة لاهاي (الهيج)
عرفت صور خلال ذروة نشاطها البحري مع افريقيا تجارة الرقيق والسلاح الممنوعة وذلك على الأقل خلال المرحلة المبكرة من ازدهارها التجاري. وكان طبيعيا رواج هذا النوع من النشاطات بسبب بعد صور عن مركز الدولة وارتباطها المباشر بأسواق النخاسة.
كانت تجارة الرقيق، بدون شك عملا بشعا شارك فيه معظم الذين زاروا أو استوطنوا افريقيا من عرب وأوروبيين وتورط فيها كثير من الناس بمن فيهم الافريقيون أنفسهم، لكن أصابع الاتهام كانت دائما توجه للتجار العرب، فاستغلت بعض الدول الأوروبية ذلك وأرسلت حملات عسكرية تسترت تحت غطاء مكافحة تجارة العبيد، بينما كانت دوافعها الحقيقية سياسية. وأصبحت صور في أوج العصر الفكتوري ملاحقة من قبل الحكومة البريطانية التي كانت تبرر تدخلها الاستعماري في المنطقة بملاحظة والقضاء على تجارة العبيد والسلاح غير القانونية. (5)
والى ذلك حصل البريطانيون في عام 1822 من السيد سعيد بن سلطان، سلطان مسقط وعمان، على تصريح منحت بموجبه السفن الحربية البريطانية حق القبض على السفن العمانية التي تنقل العبيد من السواحل الافريقية، فوضعت بذلك قيودا اضافية أخرى على التجارة البحرية وحد النشاط التجاري البحري تحت ذريعة تعقب سفن النخاسة. ورغم الحصار الشديد الذي واجهته السفن العمانية من قبل البريطانيين نتيجة لهذه الاتفاقية استمر رواج هذه التجارة بين صور وساحل افريقيا بسبب قيام أصحاب السفن الصورية برفع العلم الفرنسي بتشجيع من المقيم الفرنسي في مسقط مونيسير أوفي.(6)
الحماية الفرنسية
يعود تاريخ الملاحة التجارية لأهل صور في شرق افريقيا الى القرن السابع عشر. أي بعد طرد البرتغاليين من عمان وبحر العرب وازدهرت في منتصف القرن التاسع عشر عندما احتلت فرنسا جزيرة “نوصي بيه ” في شمال مدغشقر وجزيرة “مايوته” إحدى جزر القمر عام 1841، حيث كان العمانيون يملكون عددا من مزارع القصب والبن. ومن أجل تنظيم وضع السفن العربية التي كانت تتردد على تلك الجزر ومراقبة حركتها أصدرت السلطات الفرنسية في عام 1845، تراخيص ملاحية وسمحت برفع العلم الفرنسي على مؤخرة السفن العمانية ومن بينها كثير من السفن الصورية (انظر وثيقة رقم 1: تعهدات أصحاب السفن الصورية وتمسكهم بالحماية الفرنسية التي أعطيت لهم عندما كان آباؤهم يقيمون في هذه الجزر).
ورغم الملاحقة البريطانية استمرت السفن العمانية، طوال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، في نقل صادرات شرق افريقيا الى مسقط وصور، التي تتكون من السلع التقليدية من “عبيد” وعاج وأخشاب وذرة وجلود وشمع، مستفيدة من الحماية الفرنسية.
لكن المعارضة البريطانية اتخذت منحى أخر في عام 1891 عندما احتج السفير البريطاني في باريس على منح تراخيص الملاحة للسنن العمانية من صور من قبل القنصلية الفرنسية في عدن. ودخل الفرنسيون والانجليز في الفترة ما بين عامي 1893 و1896 في مفاوضات بشأن المطالبة البريطانية بتفتيش السفن العمانية – ومعظمها من صور – التي تحمل العلم الفرنسي لكنها لم تسفر عن نتائج تذكر. وفي نهاية ,عام1896, طالب القنصل البريطاني في مسقط بنزع الأعلام الفرنسية من السفن الصورية وتمزيقها وجلد نواخذتها. لكن السيد فيصل، سلطان مسقط وعمان، لم
يقبل ذلك التدخل فأخذ يعالج المشكلة بطريقتة الخاصة، وكتب للقنصل البريطاني في مسقط رسالة يبين فيها أنه ليس من الحكمة تصعيد الموضوع حتى لا يكون سببا للخلاف بين دولته والفرنسيين. (انظر وثيقة رقم 2: نص الرسالة).
وفي شهر يونيو 1897 قام القنصل الفرنسي في مسقط بزيارة صور لتفقد السفن الصورية التي ترفع العلم الفرنسي وتبين له أنه ليس هناك أية مخالفة للقوانين الفرنسية. الأمر الذي أغضب القنصل البريطاني في مسقط.(7)
وخلال الفترة ما بين عامي 1897 و 0 190 لوحت الحكومة البريطانية بممارسة ضغوط اقتصادية على حكومة عمان فوجد السيد فيصل، سلطان مسقط وعمان، نفسه مضطرا لزيادة حدة موقفه من فرنسا، حيث زار صور في شهر يونيو 0 190 على متن المدمرة البريطانية “سفينكس ” بصحبة القنصل الانجليزي “ميجر كوكس ” للحصول على تعهد جماعي من أصحاب السفن لاعادة تصاريح الملاحة الممنوحة لهم من السلطات الفرنسية، وقد انصاع الى هذا الأ مر ثلاثة فقط من أصحاب تلك السفن، لكنهم عادوا وتعهدوا لنائب القنصل الفرنسي بتمسكهم بالحماية الفرنسية(8). (انظر وثيقه رقم 1: رسائل التعهدات من أصحاب السفن الصورية للقنصل الفرنسي في مسقط يؤكدون فيها تمسكهم بالحماية الفرنسية وتبين أن آباءهم كانوا يقيمون في بوكين وأنجريجة بمدغشقر وميوتة ونوصي بيه في جزر القمر ابان الوجود الفرنسي هناك).
تفاقم أزمة السفن الصورية وما ترتب عليها من خلاف بين بريطانيا وفرنسا أسفر عن رفع قضية الحماية الفرنسية للسفن العربية الى المحكمة الدولية في “لاهاي” بهولندا التي أصدرت حكما في 8أغسطس عام 5 190 يمنع فرنسا منح تراخيص جديدة لرفع علمها على السفن المملوكة لرعايا سلطان مسقط إلا من يثبت أنه يتمتع بحمايتها قبل عام ,1863 وأجبر الفرنسيون إثر ذلك على التخلي عن مساندة السفن المحلية في بحر العرب. (انظر وثيقة رقم 3: نص إعلان السيد فيصل بن تركي، سلطان عمان، لقرار حكم المحكمة الدولية في «لاهاي” الصادر في 8 أغسطس 5 190).
كما شن البرتغاليون عام 1902 حملة مكثفة في سواحل افريقيا اكتشفوا على اثرها سوقا سرية في خليج ساموكو على بعد حوالي 0 20 ميل من رأس ديلجادو قبالة جزر القمر، وقبض على تجارها _ كان معظمهم من صور – وأرسلوا الى أنجولا لمحاكمتهم وصدر ضدهم حكم بالسجن لمدة 25 عاما. (9)
لقد واجه التدخل البريطاني في صور رفضا شديدا، لذلك حاولوا تفادي التورط المباشر فيها فعمدوا تارة الى استغلال الحق الذي منح لهم بموجب اتفاقية عام 1822 في القبض على السفن وهي في عرض البحر وتارة أخرى الى الضغط على الفرنسيين لرفع حمايتهم عن السفن الصورية مستغلين قرار محكمة لاهاي. وقد كان رفع العلم الفرسي على السفن الصورية ومطالبة القبائل في صور بالحماية الفرنسية من قنصليتها في مسقط يشكل مصدرا دائما للخلاف انطوى على تضارب عنيف في المصالح بين القوتين
الاستعماريتين عرف أهل صور كيف يستغلونه ومتى.
الهوامش:
1. Skeet, Muscat and Oman, The end of an era, faber.:London 1974. p.78
2-Sir D. Hawleg, Oman and it’s Renaissance , Stacey lnt. 1973.p.187.
3- د. محمد رضا باقر “صور والبحر” مجلة أخبار شركتنا – العدد الأول 1996,ص 23.
4 – د. أحمد درويش، “المناخ العلمي في تا ريخ صور “، مجلة نزوى “العدد السابع” يوليو96 , ص 10.
5- أحمد حمود المعمري، عمان وشرقي افريقيا، وزارة التراث القومي والثقافة – سلطنة عمان 1980.
6- مصدر1، ص 86.
7- د. سلطان بن القاسمي، العلاقات العمانية الفرسية 1715- 1905الطبعة الأولى1993- دار الغرير للطباعة والنشر،ص 163.
8 – مصدر 7، ص 165.
9- مصدر 1.ص86.
الوثائق:
المصدر: الوثائق العمانية الفرنسية. د. سلطان بن محمد القاسمي، دار الغرير للطباعة والنشر 1993 من أرشيف وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية – باريس. المراسلات القنصلية الفرنسية في مسقط، السلسلة الجديدة.
وثيقة رقم 1- رسائل التعهدات من أصحاب السفن الصورية الى القنصل الفرنسي في مسقط يؤكدون فيها تمسكهم بالحماية الفرنسية وتبين أن آباءهم كانوا يقيمون في بركين وانجريجة بمدشقر، وميوتة ونوصي بيه في جزر القمر ابان الوجود الفرنسي هناك.
وثيقة رقم 2- رسالة السيد فيصل الى القنصل البريطاني في مسقط يبين فيها أنه ليس من الحكمة تصعيد الموضوع حتى لا يكون سببا للخلاف بين دولته والفرنسيين.
وثيقة رقم 3- نص إعلان السيد فيصل بن تركي، سلطان عمان، لقرار حكم المحكمة الدولية في “لاهاي” الصادر في 8أغسطس 1905، ويظهر القرار أسماء أصحاب السفن الصورية الذين حصلوا على تراخيص برفع العلم الفرنسي وسجلوها لدى الحكومة الفرنسية قبل عام 1863 وبالتالي يحق لهم بموجب هذا القرار الاستمرار برفع العلم.

Exit mobile version