ضجيج الرمال وصمت الإنسان
واقع الشواطئ في ولاية صور:
جزء مهم من خور المدينة التاريخي تحول لمواقف سيارات
بحر أعماقه مكب للنفايات وسطحه ملاذ لمخلفات السفن
تقرير ــ علي الفارسي
لعل الشواطئ البكر هي من أبرز المعالم السياحية في سلطنة عمان، فهي ساحرة بيضاء ممتدة من
محافظة مسندم إلى محافظة ظفار لها تاريخ طويل وارتبطت بتنوع بحري غني بالأسماك والحيتان والدلافين والسلاحف النادرة والأنواع المختلفة من المرجان وتميزت بتضاريس جغرافية مبهرة وطبيعة مناخية فذة، هذه العوامل الطبيعية وغيرها ساهمت بشكل واضح في الجذب السياحي.
قوانين .. وحماية .. ولكن!
أبدت السلطنة اهتمامًا واضحًا بحماية هذه الشواطئ والمحافظة على نظافتها من خلال قوانين ودراسات تقضي على الظواهر التي تشكل خطرًا عليها كظاهرة الطمر أو التآكل أو سرقة رمال الشواطئ، وقد وقعت السلطنة على اتفاقيات دولية عدة لأجل المحافظة على التنوع الإحيائي البري والبحري وما يرتبط بهما من موائل طبيعية كالشواطئ والأخوار الطبيعية، ولعل أبرزها اتفاقية التنوع الإحيائي خلال مؤتمر الأمم المتحدة الذي عقد بالبرازيل المسمى ب(قمة الأرض).
لكن هذه الإجراءات ليست كافيةً قط لتوفير الحماية الحقيقية، فالشواطئ في ولاية صور على سبيل المثال تجد اهتمامًا نعم كتوفير سيارة خاصة تهتم بنظافة الشواطئ وتعمل على مدار الأسبوع في تنظيفها، وكذلك الاهتمام بالأخوار ومحاولة زراعة أشجار القرم فيها لأنها مكان مناسب لتكاثر الأسماك والطيور، لا ننكر هذا الدور وهذا الجهد المبذول لكنه جهد منقوص، وهذا ليس زعمًا محضًا والصور التي نقدمها تثبت ذلك، والعجيب أنّ ولاية صور فازت بالمركز الأول وللعام الثاني على التوالي بكأس حضرة صاحب الجلالة في منافسات شهر البلديات وموارد المياه السادس والعشرين لعام 2010م، وإذا كان هذا واقع الشواطئ في الولاية الأولى في المسابقة، فما بال الشواطئ في المدن الأخرى التي لم تفز بالمراكز الأولى قط ؟
لا نعلم كيف لم تلحظ لجنة التحكيم هذه المرافق الحيوية وهي تعد من أبرز معالم الولاية! فإذا كانت الشمس هي طبيب العائلة كما يرى ذلك بعض الأطباء فإن الشاطئ في ولاية صور هو طبيب المدينة، فهو منتزه ومكان للصيد والسباحة والرياضة ومكان للاستجمام والنقاهة، وكل زائر يعجب من أعداد الذين يلعبون كرة القدم الشاطئية حتى يحلو لبعضهم أن يشبه الشواطئ في الولاية بشواطئ البرازيل، إضافةً إلى كونها أحد موائل التنوع الإحيائي في السلطنة.
وقد تنوعت المخلفات الضارة بين البلاستيكية والحجرية المرمية على الشواطئ كمخلفات البناء من طوب وحديد وبقايا أسمنت وزجاج عسير التحلل، ومخلفات من آثار الأنواء المناخية (الإعصار جونو) لم تتغير ولم تتحرك من مكانها أبدًا، وبقايا سفن قديمة محطمة بعضها تأثرت بالإعصار وبعضها من قبله.
وحقيقةً إنّ التلوث سبب رئيسي في مشكلات عدة، فهو من أسباب تناقص المخزون السمكي الذي تميزت به السلطنة، فالمرجان والحيود المرجانية هي مقر رئيسي لتكاثر الأسماك من حيث كونها المكان الأنسب للتزاوج ووضع البيوض، وأي إضرار به ينعكس سلبًا على المخزون.
إضافةً إلى ذلك فالتلوث لاسيما الزيوت ومخلفات سفن الصيد تعود أضرارها إلى أجسامنا فالأسماك هي الغذاء الرئيسي في السلطنة عمومًا والولاية خصوصًا، أمّا المواد الصلبة فهي تساهم في تعطيل محركات سفن الصيد الصغيرة حينما تصطدم بها وكذلك الشباك.
وخور البطح ليس بمنأىً عن ظاهرة الإهمال والتلوث فقد ناله من الأذى ما ناله، فخور البطح يشكل محطةً بارزةً من محطات التاريخ العماني البحري المجيد، فهنا كانت تصنع جل السفن العمانية التي جابت المحيطات وقطعت البحار سنين عددا هذا على مستوى التاريخ العماني عمومًا، أما على مستوى ولاية صور فهو يتبوأ المركز من ذاكرة المكان في الوجدان الصوري ويمثل متنفسًا لجميع أهالي الولاية، فهو ملك للجميع لذلك ترى أطرافه عامرة ب(الجلسات) وحدوده أصبحت مسارًا عائليًّا عامًا يمشي بقربه الصغير والكبير الأنثى والذكر.
هذا التكوين الجغرافي الذي تكون عبر آلاف السنين يطمر في يوم ويصبح موقفًا للسيارات! ولا نعلم كيف تمت الموافقة على طمر هذا التجويف البحري البارز، وهل الحاجة الماسة استدعت هذا العبث؟ لا نظن فالمواقف ممتدة على طول الشارع لأكثر من كيلومترين، ولا نراه إلا نوعًا من الترف الضار الذي يودي بمعالم حضارية في فترة بسيطة. وبما أنّ سكان الولاية يقطنون على جوانب خور البطح فإنّ طمره في جانب يؤدي إلى فيضانه أو ارتفاع منسوبه في الجانب الآخر فيؤثر سلبًا على القاطنين.
التفاف
ألا ينص قانون المحميات الطبيعية وصون الأحياء الفطرية الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم (6/2003) وقانون البيئة ومكافحة التلوث الصادر بالمرسوم السامي رقم (114/2001) بضرورة حماية سواحل السلطنة وموانئها من مخاطر التلوث بصوره وأشكاله المختلفة ؟
فلا ندري كيف يتم الالتفاف على ما نصه المشرِّع العماني؟ ولا نعلم كيف يمتلك الموظف الجرأة على مخالفة توصيات ولي الأمر؟ ويعطي تصريحًا بطمر أجزاء من خور البطح وتحويله إلى مواقف سيارات أو ميدان عام؟! يقينًا انّ هذا الأمر لم يعجب كثيرًا من الناس.
وما قيل سابقًا عن خور البطح ينطبق تمامًا على خور الحجر في رأس الحد فهو الآخر لم يسلم من التلوث وإذا كانت السلاحف تمثل ثيمة سياحية هامة في الثيمات السياحية العمانية، فإنّ المخلفات البلاسيكية المنتشرة في مياهه هي العدو الأول لها فتحسبه السلاحف طحالبًا أو غذاءً فيكون سببًا رئيسيًّا من أسباب انقراضها. فأين الوزارة المختصة التي تزعم في أكثر من مناسبة بأنها تنفذ (مشاريع مستمرة) لتطوير محمية السلاحف برأس الحد؟
وأما أعماق البحر فهي مليئة بالنفايات المتنوعة بين النفايات البلاستيكية وشباك الصيد وإطارات السيارات والنفايات المنزلية ويعرف ذلك الغواصون أكثر من غيرهم فهي تصدم الغواص بأحجامها وأعدادها الكبيرة، وحقيقةً نحتاج في السلطنة إلى حملة وطنية حقيقية لتنظيف الشواطئ والبحر كالحملة التي أطلقتها دولة الكويت باسم "سنيار" ونالت إعجاب الجميع.
نقول: لولا الدورة الحيوية التي تقوم بها الطبيعة من خلال الرياح المستمرة والمتنوعة في أكثر من اتجاه، والتيارات البحرية الموسمية الصاعدة والهابطة بين الشمال والجنوب والتي تحمل هذه المخلفات إلى أعماق البحار والأمواج التي تساهم في دفنها وغيرها من عوامل الطبيعة -(والتنظيف) إن صح التعبير- لكان واقع شواطئنا وأعماق بحارنا أسوأ مما نتصور ولكن رحمة الله -سبحانه وتعالى- سبقت.
فالخلاصة لم يسعَ هذا التقرير إلى رصد جميع مظاهر تلوث الشاطئ في ولاية صور ولكنه حاول أن يظهر الجزء الآخر من الصورة الحقيقية التي قد لا تظهرها عدسة المصور العماني الرسمي في أغلب الأوقات، فهي لا ترى هذه المشكلة أو بلغة أدق لا تظهر العيوب والسلبيات وإنما تبرز الإيجابيات، وكما نعلم بداية الحل للمشكلة هو الاعتراف بوجودها أما تجاهلها فيجعلها تكبر شيئًا فشيئًا حتى تصبح معضلةً.