مسقط – العمانية:
يكشف كتاب “أسياد البحار” للباحث حمود بن حمد الغيلاني عن المكانة الكبيرة التي حازت عمان في عالم ارتياد البحار من خلال كشف تاريخها البحري وتاريخ الموانئ البحرية العمانية أو تلك التي كان العمانيون يرتادونها في مشارق الأرض ومغاربها.
واعتمد مؤلف الكتاب على نظرية جديدة في التحليل التاريخي، مبنية على أساس الارتحال والاطلاع عن كثب لخبايا الأسرار البحرية لأسياد البحر العماني، من خلال إجراء العديد من المقابلات الشخصية مع كبار السن من النواخذة وأبنائهم، وحيث تعد المقابلات الشخصية مصدراً مهماً من مصادر التاريخ التي يعوّل عليها الكثير، وهناك اتجاهات جديدة لهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية للاهتمام بهذا الجانب التاريخي المهم. كما تدلنا منهجية الكتاب المتبعة بالتسلسل المنطقي وأسلوب المؤلف على سعة اطلاعه، واعتماده على مصادر ومراجع مهمة سواء في التاريخ القديم، أم في التاريخ الإسلامي، أو التاريخ الحديث.
وبهذا الوصف والمعنى يعد الكتاب ذا أهمية بالغة، ويفتح الآفاق لدراسات متعمقة ومستفيضة لعلوم البحر العمانية من وجهة نظر محلِّية، كما يمكننا من مقارنة ما ورد فيه من أحداث مع مصادر ومراجع التاريخ الأخرى التي كتبت بأقلام خارجية.
يتألف الكتاب من (552) صفحة، ويبتدئ بمقدمة استهلالية يشرح فيها الباحث منهجه الذي سار عليه في التأليف، كما يذكر أهم الموضوعات التي تطرق لها في الموضوع، وهو بذلك اتخذ المنهج الموضوعي في تتبع الأحداث التاريخية عبر العصور. ويخصص المؤلف الفصل الأول من الكتاب للحديث عن جغرافية عمان وبُعدها الحضاري من خلال استعراض أهمية الموقع العماني في التوجه العماني نحو البحر، وأثره في التواصل الحضاري مع شعوب الحضارات الأخرى، وهذا مبحث مهم للولوج لتوجهات عمان البحرية، وقد ركز عليه الكثير من الباحثين معتبرين موقع عمان على بحر العرب والمحيط الهندي يحمل الكثير من المبررات لتوجهات البحرية العمانية إلى شرق أفريقيا وإلى الهند وما بعدها. ويتحدث الفصل الثاني من الكتاب عن تاريخ عمان البحري عبر العصور التاريخية، مبتدئاً بالمقومات التي شجعت الملاحة البحرية العمانية، وتطرق أيضاً إلى ما يسمى بـ”الرحمانيات”: أي كتب الأدلة الملاحية لربابنة “نواخذة” البحر العمانيين، التي تحتوي على المعلومات الأساسية التي يحتاج إليها النوخذة من أسماء مناطق ومراس ومسافات الأماكن، إضافة إلى احتوائها على علامات استدلالية لمواقع قمم الجبال وغيرها. ثم يتناول المؤلف بالعرض المساهمة العلمية العمانية في علم الملاحة البحرية. أما الفصل الثالث فيتوقف عند موانئ عمان القديمة مقدماً نبذة لكل منها، ومن موانئ عمان: ميناء “أكيلا” و”عمانا” و”أوبار” و”صحار” و”صور” وغيرها، مراعياً في ذلك التسلسل المنطقي التاريخي في العرض التاريخي، وذاكراً دور تلك الموانئ في حركة التجارة البحرية والنقل البحري العماني. وفي الفصل الرابع يتحدث الباحث عن صناعة السفن في عُمان ويذكر المؤلف في هذا الفصل سراً مهماً من الأسرار البحرية في شهرة البحرية العمانية، إذ أسهمت معرفة العمانيين وخبراتهم في صناعة السفن، التي تساير حركة الرياح الموسمية والتيارات البحرية في تطور الملاحة البحرية، فالسفن العمانية كانت مضرباً للأمثال من حيث الحجم ودقة الصنع والتماسك، فيعرض لمراحل صناعة السفن، والمواد المستخدمة في الصناعة، كاشفاً كل التفاصيل المتعلقة بصناعة السفن. ويتبع هذا الفصل بفصل خامس يتحدث فيه الباحث عن أنواع السفن العمانية ويفصل فيها، ومنها مثل: الغراب، والمدرعة، والجالبوب، ومنها الشوعي، والسنبوق، والهوري، وغيرها كثير.
وفي الفصل السادس تحدث الباحث عن الأسطول البحري العماني ويتطرق إلى تفاصيل الأسطول العماني، فيتحدث عن القرصنة البحرية في بحر العرب وبُحر عمان، ثم يناقش تطور الأسطول في عهود الأئمة، وفي الأزمنة الحديثة، خاصة في عهد اليعاربة، والبوسعيديين. ثم يُتبعُ ذلك بفصل تحدث فيه عن أثر الأسطول في التجارة الدولية ذاكراً ما ارتبط من علاقات حضارية وتجارية مع الشعوب والحضارات الأخرى كنتيجة مهمة للخبرات البحرية العمانية، وفي هذا الإطار تناول بالذكر أهمية موقع عمان، والاستقلال السياسي، وتوسع النفوذ العماني، ثم علاقات عُمان الدولية بالأقاليم المجاورة وبلدان المشرق والمغرب. ويخصص الباحث الفصل الثامن للحديث عن الربابنة وهذا مبحث مهم في تاريخ الملاحة البحرية، وهي نقطة جوهرية في الكتاب، فهو يؤرخ لربابنة البحر العمانيين، ويذكر أسماء مجموعة كبيرة منهم، حوالي”1051 نوخذة” من مختلف أنحاء عمان، ويقدم لكل منهم نبذة عنها، ويؤكد العدد المذكور حجم المهارة والخبرة العمانية التي أسهمت في وجود العديد من الملاحين العمانيين المتميزين، كما يذكر المؤلف قائمة مهمة لأسماء “533″ سفينة من سفن الأسطول العماني، وحجم حمولة كل سفينة، ومكان صنعها.