يوسف البلوشي:- في الوقت الذي نبحث فيه عن الحرفيين، والحرف العمانية، وسبل تطويرها، والحفاظ عليها، وبحث آليات تطويرها، والعمل على دعمها وتوريثها للأجيال المتعاقبة حفاظا على الصناعات الحرفية العمانية من الاندثار وفقد الهوية الأصيلة لها؛ ترجل فارس صياغة الخناجر ابن ولاية صور العفيّة، الحرفي مبارك بن عبدالله الفارسي، تاركا خلفه إرثا وتاريخًا ممتدًا في صياغة الخنجر العماني، وكان من أبرز الحرفيين الذين امتهنوا مهنة صياغة الخنجر وأخلصوا فيها، واقترن اسمه بها كأحد رموز صياغة الخنجر.
وكان الصائغ المعروف مبارك الفارسي يعمل في منزله مسخرا إحدى غرفه مكانًا للعمل، مجتهدا في أن يكون الخنجر العماني شريانا ممتدا من قلبه في الحب إلى يده في الصناعة، ورسم ملامحه، وجعل عينيه مجهرًا لخياطة الفضة التي تلتوي خيوطها كالتفاف أوردته على قلبه الذي شكل الخنجر نبضًا يوميًا من حياته.
واليوم إذ نتذكر أحد أهم حرفيي عمان وجهابذتها الذي قضوا أعمارهم مخلصين للصناعات العمانية فهذا أقل تقدير له؛ في وقت تعاني فيه مختلف الصناعات العمانية من الهجرة والوحدة والابتعاد عنها، بل وقلة الأيدي المهرة، وغزو الوظائف الجديدة والمريحة على حساب هذه الصناعات؛ والتي مهما أدخل عليها من أدوات داعمة للأيدي العاملة إلا أنها تظل أكثر جودة بأيدي حرفييها وخاصة إن كانوا من أبناء البلد وأخلصوا لها ومنحوها من عمرهم ووقتهم مدادًا يخط في التاريخ أسماءهم.
ساهم الحرفي مبارك الصايغ كما اشتهر في صور خاصة وعمان عامة وعلى مستوى الخليج بهذا الاسم، في تعليم ومراقبة الحرفيين الذي عملت الهيئة العامة للصناعات الحرفية على تدريبهم في سنوات مضت وأعطاهم من خبرته وعلمه في هذه الصناعات الكثير، من أجل أن يحمل لواء تلك المهنة صغار الحرفيين العمانيين، ولتخلّد وتكون راسخة رسوخ الخنجر على علم عمان الشامخ.
قال ذات مرة وهو يتابع أبناء عمان المتدربين على هذه الصناعة: “يجب على الشباب أن يأخذوا بصناعات الآباء والأجداد الحرفية، ويحافظوا عليها من الأيدي الوافدة العاملة في المجال الحرفي، كون هذه الصناعات تختص بأبناء هذا الوطن الغالي، وعليهم أن يُشمروا عن سواعدهم الفتية، ويعملوا في مختلف الصناعات الحرفية مستفيدين من البرامج التدريبية التي تقدمها الهيئة العامة للصناعات الحرفية في جميع المجالات الحرفية مثل البرنامج التدريبي لصناعة الخنجر العماني الذي يعتبر من البرامج المتميزة، وأشار في كلمته إلى أنّ على الشباب المتخرج من هذا البرنامج عدم الوقوف على التدريب فقط بل عليه أن يعمل دائمًا على الاطلاع والاستفادة من الخبرات الحرفية السابقة عبر الزيارات المتواصلة للحرفيين، والتحلي بالصبر لأنّ صانع الخنجر يجب أن يكون متحليا بهذه الخصلة الحميدة كي يتعلم جميع فنون هذه الصناعة العريقة”.
في اليوم الأخير من وداع فارس الخنجر العمانية في صور نسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يظل الخنجر العماني محافظًا على بهائه وفخره وشموخه؛ بفضل ما قضاه مبارك الصائغ وآخرون أمثاله من وقت وجهد ليكون هذا الإرث العماني خالدًا على مدى الأزمان.