عزيزة المخينية
عقارب الساعة تشير إلى العاشرة مساءً، وما أن يُنهي “س” عمله يهرع إلى مقهاه المعتاد، وهناك يبدأ تدفق الأصدقاء إلى المقهى بعد تبادل التحية، وينضموا جميعهم لطاولة مستديرة في لعب الورق لساعات، ويفضل “س” وأصدقاؤه قضاء وقت الفراغ في لعب الورق على أي مشروع آخر.
لعب الورق باتت وسيلة متفقا عليها لتمضية الوقت، ولم يحدث أن اعتذر أحد من أفراد المجموعة الثمانية عن الخروج للعب، وسرعان ما ينسجمون مع بعضهم باللعب والضحك والأكل أثناء لقائهم، حتى أنهم يغلقون هواتفهم الخلوية أو ضبطها على الوضع الصامت حتى لا يعكر أحد صفو اندماجهم في طقس اللعب.
من هنا بدأت قصة “س” الشاب الذي يعمل في مطعم للمأكولات السريعة.
دون دراية منه أصابه فيروس كورونا واجتاح جسده النحيل، شعر بأعراض حمى خفيفة مع جفاف في الحلق، إلا انه لم يبالي بهذا العارض، وبعد إصرار ذويه بضرورة أخذ مسحة الفحص لفيروس كورونا، توجه -مترددا ومتكاسلا- إلى المركز الصحي وبيقين داخلي أنه غير مريض.
المفاجأة أن “س” بالفعل مصاب بالفيروس وقد تمكن هذا الوباء منه ومن رئتيه، وعلى الرغم هذا، لم يعط اهتماما بالإصابة، وعاد إلى عمله مهموما ومثقلا بالتفكير، كيف سيخبر أهله بإصابته أو أحد من زملائه أو حتى أصدقائه الذين يتشارك معهم لعب الورق؟، كيف له أن يلتزم بالحجر المنزلي كما أبلغه الطبيب بضرورة الالتزام حتى لا يتمكن الفيروس من الانتشار ببقعة أكبر؟
ومع هذا الهم قرر “س” أن يعود إلى بيته ويمارس حياته بشكل اعتيادي وكأن شيئا لم يكن، ولا ضرورة لإخبار أحد بإصابته.
عاد إلى عمله وتعامل مع زملائه وزبائنه، كما أنه استعد للقاء أصدقائه في تمام الساعة العاشرة مساءً، والتجمع في المقهى المعهود لقضاء وقت المتعة في لعب الورق.
“س” لم يحمل على عاتقه شعار البقاء في البيت أو الالتزام بلبس “الكمامة” التي تحميه وتحمي غيره، أو حتى عزله نفسه في غرفة بعيدا عن أهله، لقد ضرب بكل هذا عرض الحائط، وببساطة لم يتحمل فكرة القيد وعدم الخروج من المنزل والشفاء من غدر الفيروس.
اجتمع مع أمه وأبيه، عانق كل أصدقاء لعب الورق، وبعد هدر ساعات طويلة ما بين الضحك والقهقة، انتهت اللعبة بمأساة كان سببها “س”.
فبسبب استهتار هذا الشاب وعدم المبالاة بهذا المرض، اجتياح الفيروس الخفيّ جسد أمه وأبيه وجميع أصدقاء لعبة الورق.