ولو بعد حين

سليمة بنت عبدالله المشرفية

رغم أنها مرتع صِباه وحاضنة طفولته وفيها تلقى رسالة ربه إلا أنها أبت أن تتقبل تلك الرسالة بل وحالت بينه وبين تبليغها فما كان من محمد صلى الله عليه وسلم إلا أن بحث لها عن وطنٍ يحتضن رسالته وينصره لتبليغها ويؤازره في مهمته الربانية

لم يعجز عليه الصلاة والسلام ولم يستسلم أمام موقف مجتمعه الرافض لأفكاره المحارب لرغبته في التغيير فسعى يبحث عن من يستمع له ويتبنأ مشروعه الحضاري وما إن وجد ذلك حتى استجاب لأمر الله وقدره في البعد عن بلاده المتأصل حبها في أعماقه وهو الذي نظر نحوها عند خروجه منها وقال “والله لولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت”

لقد كان يعز عليه مغادرة مكة (وطنه ) الذي دفن فيه خديجة -حبيبته الأولى وشريكته في رسالته- وفيه أنجب أبناءه وفيه أول بيتٍ وضع للناس ولكنه أمر الله ومشيئته

مضى محمد صلى الله عليه وسلم وخلفه صحابة نذروا أنفسهم لدعوة لا إله إلا الله محمد رسول الله تاركين بيوتهم وأهليهم وأبناءهم وأموالهم وكل ما شيدوه في سابق أيامهم “قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره”

استجابوا جميعا من أجل رسالة نبيهم ورغبتهم في تحقيق مبادئ وقيم تشربت بها قلوبهم حتى هان لأجلها كل غالي ولانت أمامها آلام الغربة في بلاد ليس لهم فيها مال ولا جاه سوى أنها بلادا تجلت فيها أفكارهم وفيها من قدّر قيمة رسالتهم واحتضن طريقتهم في التغيير

إن أغلب المجتمعات ترفض التغيير وتمقته وتحاربه بكل ما أوتيت من قوة وإن كان واقعها سيئ إلا أنها صابرة على مجنونها خوفا من مجيئ ما هو أجنُّ منه.

وهكذا فإن المصلحين عبر التاريخ سواء كانوا أنبياء أو حكماء عُودوا وحُورِبوا في سبيل الحيلولة بينهم وبين تبليغ رسالتهم وكل ما دون ذلك من أفكارٍ جديدة هي بذورٌ ترفضها عقول البشر المبرمجة على واقعٍ ما تراه الأفضل والأسمى وإن كان الأسوء!

وقلما تجد من يحتضن أفكارك ويدعم وجهة نظرك المستحدثة إلا أن ذلك لا يبرر لك تخلِّيك عنها واستسلامك لواقعك المؤلم فذلك العجز الذي لا يرضاه لك الله ورسوله ولنا في رسول الله أسوة حسنة في نضاله من أجل رسالته وسعيه الحثيث في تبليغها حتى تجلت بعد أعوام من الحركة الدائبة المستمرة والتركيز العالي عليها وها هو بعد ثمانية أعوامٍ من هجرته وإبعاده عن وطنه يعود حاملا راية نصره وحوله أرواحٌ تفديه بالمال والعيال لينشر في ربى وطنه رسالة السماء وليبرهن للعالمين أن المستحيلَ ممكنٌ ولو بعد حين..

Exit mobile version