سعد بن فايز المحيجري
من المُحزن حين ترى ذاك التعاطي المُشين مع الآخَر، وترى ذاك الكمّ مِن التراشُق بالكلام، وإنْ أُتِيحَ المجال لَوصل الأمر إلى مدّ الأيادي، حقيقةً لا أعلم كيف يفكّر هؤلاء في طريقة التعامل مع الآخَر، ربما لا يفكر بإقصائه وحسب، بل يصل به الأمر حتى تدميره نهائياً، ويبقى الهدف مجهولاً من ذلك، نَعم هي ظاهرةٌ وعلينا التصدّي لها بما لدينا من استعداد، في الوقت الذي يجب علينا أنْ نقف صفًا واحداً من أجل الهدف العامّ والسامي تجاه أي قضيةٍ نسعى لنشرها أو نسعى لتحقيقها، والله وحده أعلم بالنيّات، الكلّ لديه أهدافٌ وطموحاتٌ ورؤىً، ولكن هناك من لا يمتلك القُدرة والأدوات على تحقيق تلك الأهداف والطموحات، والعكس من ذلك هناك من يمتلك القدرة والأدوات ولكنْ يفتقر إلى الرؤية الواضحة التي يسعى إليها، وقد لا يُتاح له المجال لأنْ يكون في المكان المناسب، فما المانع من تقديم تلك الأدوات للآخَر، وما الذي يمنع صاحب الرؤية والأهداف من تقديمها للآخر؛ من أجل تحقيقها في ظلّ افتقاره للأدوات، أليس ذلك في الصالح العام؟ أليس ذاك هو الأصل لبقاء البشرية؟
ومما يُؤسَف له حقّ الأسف حين ترى أبناء الحيّز الجغرافيّ الواحد يتصارعون، كلٌّ يعمل من أجل إلغاء الآخر، وتهميش أدواره في المجتمع، ومحاربته بكل ما أوتي من قوة في سبيل إثبات ذاته.
لماذا العمل على التقليل من جهود الآخر، لماذا السّعي إلى تجاهل الآخر، لماذا التوجه إلى إقصاء الآخر، أليس من الأجدى أنْ نضمّ صفوفه إلى صفوفنا، لنحقّق وحدةً كاملةً مُتكاملة، ما ينقصه أُكمله، وما ينقصني يُكمله، كلّ ذلك من أجل الشأن العام.
الشباب وقود الأمم وحاضرها المشتعل، وهم من تعتمد عليهم في ترسيخ دعائم مستقبلها، فالواجب عليهم أن يعملوا تحت صفٍّ واحد، هذا الصفّ الذي لا يجب أنْ تتخلّله المشكلات، وإن وُجِدَتْ عليهم أن يتّحدوا في مواجهتها والتغلّب عليها، ولكنْ ما نشاهده على الساحة العامة من إقصاءٍ للآخَر، وعدم الاحتواء والاستفادة منه يجعلنا نُعيد النظر والرؤية تجاه هؤلاء الشباب، وكيف يمكن إعادة توجيههم إلى الطريق السليمة في التعامل مع الآخر، يقول تعالى في كتابه العزيز في سياق التعايش والوصول إلى إعمار الأرض: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ)، هذه الآية نزلت في سياق التعامل مع الآخر، وهو ليس من ملّتنا، فكيف بمَن ينتمي إلينا، العقل الحديث الآن يتّجه إلى إشراك الآخر في تحقيق أهدافه، والانفتاح على العالم الآخر في رسم الخطط والاتجاهات المختلفة، ويُعدُّ ضعيفاً من استغنى بنفسه، وقاصراً في احتوائه الجوانب المختلفة من العالَم، فكيف وأنت تمارس دور الإقصاء تجاه الآخرين، قد يُعدّ هذا مِن أنواع الفساد، فإشاعة مثل هذه الأفكار في المجتمع يخلق جوّاً من الشحناء والبغضاء التي تسهم في إفساد القيَم والمُثُل العُليا، التي بدورها هي الأساس في عمارة الأرض.
يجب أن يدرك الشباب أنّ التدافع قانونٌ كَونيّ، يقول تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا)، ويؤكّد المفكّر الإسلامي الدكتور جاسم سلطان هذا القانون في كتابه قوانين النهضة، وهو القانون السابع فيها، حين فصّل أنواع التدافع إلى تدافعٍ تَنافسيّ، وتدافعٍ صِراعي، وما نتائج كِلا التدافُعين، وهذا التدافع التنافسي هو الطريق إلى إعمار الأرض، وليس التدافع الصراعي الذي يسعى من خلاله كلّ وجودٍ إلى إنهاء الآخر، فالتدافع التنافسيّ يترجَم بالاحتواء والاندماج والانصهار مع الآخر، والاستفادة من وجوده، على الرغم من وجود اختلافٍ في المصالح الذي هو جوهر التدافع، وليس معناه الإقصاء، فبقاء الأفكار ثابتة لا يُتيح للتطور مجالاً، ولا يمكن للمسيرة أن تكتمل، ولا يحدث التغيير، والإقصاء بكلّ نتائجه ليس في صالح طرفٍ دون الآخر، فهو هدرٌ للموارد التي يجب أن تُستغلّ، والواقع يقول إنها خسارة لكِلا الطرفين.
من هذا المنبر أدعو إلى إعادة صياغة أفكار الشباب وأبناء الأمّة على اختلاف مشاربهم وتوجّهاتهم في التعامل مع الآخر بدءاً مِن المناهج الدراسية، وتكثيف جرعات الوعي ورفع الفِكر في التعامل مع الآخر باستغلال وسائل التواصل الاجتماعي، بدل أنْ تكون وسائل للصراع والتراشق، وتوجيه تلك الطاقات في احتواء الجميع، والعمل على توحيد الجهود، ورفع مستوى الوعي في قيادة الأوطان وقيادة الأمّة بالتعاون والتكاتُف والتعاضُد.
المصدر جريدة النبا