مطر بن سالم الريامي
من اهم مقومات نجاح المنظمات هو قدرتها على اللحاق بأحدث المتغيرات، فالحفاظ على مزاياها التنافسية والبقاء في السوق في ظل الثورة الصناعية التي يشهدها الاقتصاد في عصر تكنولوجيا المعلومات أصبح يعتمد أكثر على الأسس العلمية المتقدمة والاستخدام الأمثل للمعلومات المتدفقة، حيث مهدت الثورة المعلوماتية لظهور اقتصاد المعرفة الذي تتسابق فيه المنظمات حول تملك أكبر قدر من المعارف والمعلومات بعدما تأكد لها ان من ينتج المعرفة هو القادر على امتلاكها ومن يمتلكها هو المؤهل للقيادة.
وفي منتصف التسعينات اخذت المعرفة وإدارة المعرفة داخل المؤسسات وبين المؤسسات تحظى باهتمام متزايد ومتسارع لما لها من إسهام أساسي في النمو وفي تحقيق ميزة تنافسية، حيث أصبحت من المواضيع الأكثر ديناميكية في الإنتاج الفكري خصوصا بعد اصدار ” نوناكا وتاكيشي ” سنة 1985 لكتاب بعنوان ” الشركات الخلاقة لإدارة المعرفة “.
ويواجه الباحثون صعوبة في تعريف المعرفة لكونها من أصول المنظمة غير الملموسة والضبابية كما انها مركبة من العديد من المكونات كالأفكار والإجراءات والمعلومات ومن أهم ما ذكر في تعريفاتها أنها تجديد جذري او تغيير في عمليات المنظمة وبما يتفق مع التداخلات الثقافية للمنظمة ، ومن العوامل المؤثرة في نشأة إدارة المعرفة ظهور العديد من الممارسات والمبادرات الإدارية التي جعلت منه نظاما قائما في المؤسسة الاقتصادية الكبرى التي تسعى الى الريادة والتفوق ويذكر الباحثين منها تحويل الأعمال (إعادة هندسة العملية الإدارية – إدارة الجودة الشاملة – الثقافة) وإدارة المعلومات و (رأس المال الفكري والموجودات الفكرية)، والمؤسسة المتعلمة.
ويشير الباحثون الى أهمية المعرفة وإدارتها في كونها تساعد في إيجاد بيئة تعاونية وذلك من خلال الحصول على المعرفة المتوافرة وتقاسمها وخلق الفرص وتوليد معرفة جديدة والتزود بالأدوات والمداخل اللازمة لتطبيق ما تعرفه المنظمة سعيا لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، وكما يمكن النظر الى المعرفة بإنها مصدر من مصادر كفاءة المنظمة من ناحية وهذا يتطلب من إدارة المنظمة الحصول على أكبر قدر منها ومن الناحية الأخرى فهي تقوم بوظيفة المساندة عندما تستخدم كآلية تنسيق لتحويل الموارد الى قدرات ، كما انها تلعب دورا أساسيا في خلق معارف جديدة حيث غالبا ما تذكر إدارة المعرفة كمرحلة سابقة لعملية الابتكار كما تساعد المعرفة على تعظيم عمل الإفراد والجماعات وتقديم النصائح بالإضافة الى أنشطة التحسين المستمر وحل المشاكل.
وتميز المعرفة بين نوعين في مجال الاستخدام التطبيقي في عالم الإدارة وهي المعرفة الضمنية (الداخلية) وهي من موارد المنظمة المهمة وتشكل 42% من معرفة المنظمة وهي موجودة في اذهان الأفراد ويستند هذا النوع من المعرفة الى الأفراد وأساليب تقاسم نوعية المعرفة بطريقة مشتركة ومتبادلة حيث يكون التأكيد على العلاقات الجماعية التي يسودها الترابط العميق بين الأفراد ووفق هذا المفهوم فإن المعرفة الضمنية تشير الى ما يثبت في ذاكرة الأفراد ، أما النوع الثاني فهو المعرفة الصريحة وهي المعرفة الرسمية النظامية القليلة للنقل والتعليم وتسمي بالمعرفة المتسربة حيث يمكن ان تتسرب الى خارج المنظمة وتأخذ اشكالا مختلفة مثل براءات الاختراع وحقوق النشر كما ويمكن ان تكون مجسدة في منتجات المنظمة وادلة وإجراءات العمل والخطط والمعايير وغالبا ما يكون هذا النوع من المعرفة بشكل مكتوب وقواعد بيانات .
إن إدارة المعرفة ما هي الا جهد منظم للحصول على المعرفة من مصادرها المتنوعة وتخزينها واستخدامها بتحويلها الى سلع وخدمات من اجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية والتنظيمية للمؤسسة بكفاءة وفاعلية ، ولنجاح أي مبادرة حول إدارة المعرفة في أي سلطة لا بد من الاهتمام بعوامل منها التركيز على القيم المؤسسية وقيم الموظفين الجوهرية و الاهتمام بمشاركة المعرفة و تحديد اهداف واضحة تؤدي الى الاستفادة القصوى من المعرفة و تبني أساليب تحفيز تخدم مشاركة المعرفة وتعدد أساليب نقل المعرفة وتقديم حوافز مادية ومعنوية تساهم في خلق المعرفة واستخداماتها و الالتزام والدعم التام من الإدارة العليا ، وامتلاك الأبنية التحتية التطبيقية والتقنية بشكل مسبق وتصميم المشروع ليكون مرنا وليضمن وصول الافراد بسهولة للمعلومات التي يحتاجونها وتغيير الثقافة البيروقراطية للانفتاح على أفكار الاخرين تطوير القادة الذين يدعمون نماذج التعلم.
وتتنوع اهداف إدارة المعرفة بتنوع الجهات التي توجد بها والمجالات التي تعمل فيها فهناك مجموعة من الأهداف العامة التي تشترك فيها إدارة المعرفة في مختلف المنظمات وهي مثلا تحديد وجمع المعرفة وتوفيرها بالشكل المناسب والسرعة المناسبة و بناء قواعد معلومات لتخزين المعرفة وتوفيرها واسترجاعها عند الحاجه اليها وتسهيل عمليات تبادل ومشاركة المعرفة بين جميع العاملين و نقل المعرفة الضمنية من عقول ملاكها وتحويلها الى معرفة ظاهرة و تحويل المعرفة الداخلية والخارجية الى معرفة يمكن توظيفها و تحسين عملية صنع القرار من خلال توفير المعلومات و الاسهام في حل المشكلات التي تواجه المنظمات و جذب راس المال الفكري في حل المشكلات والتخطيط الاستراتيجي و إرضاء العملاء بأقصى درجة ممكنة و تطوير عمليات الابتكار بالمنظمة و تشجيع العمل بروح الفريق و تهيئة بيئة تنظيمية مشجعة وداعمة لثقافة التعلم .
هناك العديد من العوامل التي ساهمت في تحول المنظمات للاهتمام بإدارة المعرفة استجابة لعدة متطلبات ومؤشرات بيئية داخلية وخارجية منها تعاظم دور المعرفة في النجاح المنظمي والعولمة التي جعلت المجتمعات العالمية الان على تماس مباشر وتشعب إدارة المعرفة وتزايد احتمالية تطبيقها و تزايد الادراك ان القيمة الحقيقية بعيدة المدى للمعرفة لا تعتمد بالضرورة على قيمتها لحظة توليدها و التغيير الواسع في اذواق واتجاهات العملاء و اختلاف طبيعة المعرفة كثيرا عن البيانات والمعلومات و اتساع المجالات التي نجحت أدارة المعرفة في معالجتها .
ويبرز أهمية تبني أسلوب إدارة المعرفة في تحسن الأداء الوظيفي للمنظمات من خلال تسريع عمليات انتاج المعرفة وتنظيم معرفة الجماعات وجعل هذه المعرفة متوفرة عن طريق المشاركة ومخازن البيانات وتتمثل أهمية تبني أسلوب إدارة المعرفة أيضا في بناء وتنمية ادارة المؤسسة على التعامل مع المتغيرات وزيادة احساسها بالتغيير وتوقعه في وقت مبكر يسمح للإدارة بالاستعداد للمواجهة وتهيئة الفرص لنمو المؤسسة وتطورها بمعدلات تتناسب مع قدراتها وكذا الفرص المتاحة ومساندة الإدارة في مباشرة عملية التمدد الفكري بنبذ القديم من المفاهيم والأساليب واكتساب الجديد منها وتوفير مناخ ملائم يحفز العاملين ذوي المعرفة على إطلاق معارفهم الكامنة واتاحتها للمؤسسة وربط كل المعارف والخبرات بما يمكن من تطور وتنمية المؤسسة ككيان تفاعلي وهي فرصة لمنظمات الاعمال لتخفيض التكاليف وهي عملية نظامية تكاملية لتنسيق أنشطة المنظمة وتعزيز قدرتها للاحتفاظ بالأداء المنظمي المعتمد على الخبرة والمعرفة .
وقد اهتم الباحثون بفحص العلاقة بين إدارة المعرفة وأداء المنظمات في مختلف قطاعات العمل وأوضحت الكثير من الدارسات الى ان دور إدارة المعرفة كآلية للتنسيق يقدم دليلا على ان المنظمات التي لها ميل نحو زيادة وتطوير الابتكار هي اكثر رغبة في امتلاك إدارة معرفة متطورة في جانبها السلوكي والتطبيقي وكذلك ان المنظمات التي تمتلك قدرات في إدارة المعرفة تكون اقدر على استخدام مواردها المتاحة بفاعلية مما يؤدي الى الابتكار والأداء الأفضل وتبين كذلك ان الاستجابة للمعرفة لها تأثير معنوي على الأداء المالي وإن رأس المال الفكري وإدارة المعرفة يساعدان المنظمات في تحقيق التفوق في الأداء الثابت في سوق المنظمة .
قبل ان تخوض المنظمة في أي عملية من عمليات الإدارة وقبل البدء في تنفيذ برنامج إدارة المعرفة لا بد من ان تفهم جيدا التحديات والعوائق امام عملية تطبيق المعرفة ومن ثم اتباع الطرق والأساليب التي تمكنها من التغلب على تلك العوائق التي قد تكون عوائق تنظيمية او تتعلق بدعم الإدارة او عوائق تكنولوجية فعدم وجود حوافز تشجع الافراد على مشاركة أي تخرين و قيام التنظيم بتقييم الأفكار الفريدة بدلا عن مشاركتها والافتقار الى لغة موحدة يفهمها جميع افراد التنظيم وتركيز التنظيم على المعرفة الصريحة وعدم التنسيق الكافي بين وحدات المنظمة و نقص اهتمام الإدارة ببرنامج إدارة المعرفة واحيانا التكنولوجيا التي اختارتها المنظمة لتطبيق إدارة المعرفة .