الـمسؤول .. لا مسؤول

سعد بن فايز المحيجري

اعذرني أيُّها القارئ الكريم سأخوض بك إلى بحر اللغة العربية قليلًا لأُقرّبَ لك هدف المقال، في العربية هناك ما يُسمّى المشتقّات، وهي الأسماء المأخوذة من أفعال، ودونك المثال عزيزي ليتّضح لك المقال، فكلمة سَائِل هذه اسم مشتق، أي أنّها مأخوذة من الفعل سَأَلَ، فمن قام بفعل السؤال يُسمّى سائِل، وحين نأتي إلى كلمة مسؤول نجدها اسمًا مشتقًا، بَيْدَ أنّها تكون اسمًا مفعولًا لا اسمًا فاعلًا، إذن ما الفرق بينهما- الفاعل والمفعول أعني- ؟

لا أظنُّنا نحتاج إلى التعريف بالفرق، ولكن يجب علينا التذكير أنّ كلمة المسؤول مأخوذة من الفعل (سُئِلَ) لا (سَأَلَ)، من هنا يتَّضِحُ أنّ كل مسؤول في أيِّ موقع من مواقع المسؤولية يقع عليه السؤال حتمًا شاء أم أبى إِنْ رضيَ بتحمُّل أعباء وتكاليف تلك المسؤولية، وإلّا فليعتذر، فالأصل كل موقع مسؤولية يتبعه سؤال مِمَّنْ وضع الثقةَ للموثوق فيه، مِصداقًا لقوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}-الصافات (24).

ولا يغيب عن الجميع حديث رسولنا الكريم ﷺ الذي يرويه ابن عُمر رضي الله عنهما، والمبدوء بـ ( كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته…) إلى نهايته، ولنْ أتطرّق إلى الأساليب اللغوية التي تؤكِّد على السؤال لكل راعٍ أُسْنِدَتْ إليه مسؤولية، وكان في موقع السؤال.
وفي رؤيتنا إلى الواقع المجتمعي نلحظ أنَّ دلالة كلمة مسؤول تغيّرت حتى صارت لقبًا تشريفيًا أكثر ممّا هي وظيفة تكليفية، وأصبح المسؤول بعيدًا كل البعد عن السؤال فيما كُلِّفَ به من عمل ومهام، وهذا عائد إلى ثلاثة أسباب من وجهة نظرٍ شخصيّة، وأحسب أنّها لا تخرج عنْ ذلك، فالأول عائد إلى المسؤول نفسه، فهو لم يستشعر المعنى الحقيقي لكلمة مسؤول، وبات المعنى الجديد هو المتبادر إلى ذهن أغلب المسؤولين، وأنَّه أصبح في موقع الأمر والنَّهي والوجاهة والتشريف، ولا يحق لأيّ كائن كان سؤاله، أمّا الثاني فهو المجتمع، فقد أسهم في رسم صورة ملكيّة للمسؤوليّة بعيدًا عن المعنى الموضوع لها، بداية من تقديم التهنئة والمُباركة للمسؤول بتقلّده المنصب، وانتهاءً بتقديم فروض الولاء والطاعة له مُدَّة مكوثه في الوظيفة، كأنّ المجتمع هو من يخدم المسؤول وليس المسؤول من يخدم المجتمع، حتى اسْتَشْعَرَ هؤلاء المسؤولون فردوسَ الكلمة وظنوّها تكريمًا، فحريّ أنْ نذكّر كلّ مسؤول بما ينتظره من سؤال، وعلينا أنْ نُعينَهم على تأدية واجباتهم، ولنقول لهم: (أعانك الله) و(كان الله في عونك)، أمّا الثالث فهو المسؤول عن المسؤول، فلا مراقبة ولا حساب، ولا متابعة ولا عقاب، فحين يتأكَّد للمسؤول غياب المراقبة والحساب مِن المسؤول عنه فما الذي ننتظره بعد ذلك؟

ولا نعدم قصص التراث الإسلامي والسَّلف الصالح التي تذكِّرنا بعظم وقدر المسؤولية، ومواقفهم التي تثبت خوفهم من السؤال فيما اؤتمنوا عليه، وحسبنا من ذاك الأثر ما وصل إلينا عن الفاروق من خبر، وفي لحظات حياته الأخيرة وهو يعتصر ألم المحاسبة محدِّثًا نفسه ومن حوله بها، حتى البغلة التي تعثُر في ناحية من نواحي الدولة الإسلامية لم يُخرجها من دائرة مسؤوليته بأنّه لم يسوِ لها الطريق، هذا عُمر الفاروق، هذا عُمر المعروف بالعدل، هذا عُمر المُبشّر بالجنة، هذا عُمر الذي نزل القرآن يؤكِّد آراءه في أكثر من مناسبة حين عارضه الآخرون، فمن تكون أنت أيُّها المسؤول؟

أيُّها المسؤول الفلاني إنّ موقعك الوظيفي التزام لا احتفاء، وكلّما ارتقيت السلّم الوظيفي زاد عبء السؤال عليك، وَثِقْ أنّك مسؤولٌ عن كل قول أو فعل، فإنْ كان خيرًا فقد أصبته وجُزيت، وإنْ كان شرًا فلا تلومنّ إلّا نفسك يوم تقف أمام القاضي الحق العدل.
(إضاءة إملائيّة.. يصحُّ كتابة مسؤول مسئول)

المصدر جريدة النبأ

Exit mobile version