لا شك أن الحكومات في العالم تسعى جاهدة إلى إيجاد حلول مستدامة للملفات الوطنية لديها، ولعل من أهمها ملف الأيدي التي تبحث عن عمل على أرضها في ظل التطورات الجيواقتصادية، وما خلفته الجائحة من تداعيات ستحتاج الاقتصادات إلى وقت للتعافي منها.
بعموم المشهد العالمي، والنظر إلى ساحتنا المحلية العمانية بشكل خاص، تبقى جميع الحلول المطروحة والموجهة نحو تحدي استيعاب أعداد الباحثين عن العمل هي حلول جيدة وممكنة ومتاحة ولكنها قد تكون مؤقتة مع تعاقب الأجيال الجديدة .. وهنا السؤال الأهم: كيف تستطيع الحكومة وجميع المؤسسات صناعة فرص وظيفية مستدامة؟!
إن الفكرة النمطية التي ظهرت عليها بعض المؤسسات، تقوم على أساس تقديم الخدمات أو إنجاز مهام رسمية معينة ومؤطرة للأفراد أو الجهات، وتستمر بعض تلك الجهات في تقديم تلك الخدمات بشكل وقالب مُعين لسنوات طويلة دون مواكبة للتطورات أو المتغيرات الحديثة أو الاحتياجات المتسارعة، فيبقى الموظف رهين روتين موروث.
وهنا الرهان على أن تفكر المؤسسات من خارج الصندوق بتطوير أعمالها وتوسيع نقاط خدماتها وابتكار حلول تتحول إلى مهام وظيفية ومنتجات متجددة وتستوعب معها الكوادر الوظيفية التي تساعدها على إنجاز تلك الأنشطة، فالرهان على استدامة الوظائف مبني على كمية ونوعية وجودة وسرعة وابتكار الأعمال الجديدة، وأيضًا مدى قدرة المؤسسات على إضافة باقات جديدة من الخدمات أو المنتجات التي يحتاجها قطاع العمل والإنتاج.
وفي الجانب الآخر فإن صناعة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الناجحة هي فرص حقيقية ومستدامة لصناعة فرص العمل المدرة للدخل والتي تستقطب الأيدي الوطنية المتخصصة في مجالاتها، وهنا على هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة دور مهم في تمكين تلك المؤسسات لضمان استمراريتها وديمومتها، وترسيخ مفموم رائد العمل لدى هذا الجيل والأجيال القادمة من الخريجين بطرق مبتكرة وعملية.
أعتقد أنَّ الوظائف هي صناعة متجددة يتحكم بها من يملك زمام ابتكار صناعة الخدمات والمنتجات في المؤسسات المختلفة، وهنا أشير بجلاء واضح إلى التوجيهات الكريمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – أعزه الله- التي أسداها “بضرورة تعاضد كافة الجهات الحكومية والخاصة ومساندتها للبرنامج الوطني للتشغيل لتمكينه من الإسراع في دراسة التحديات التي تواجه هذا الملف، ووضع الخطط والبرامج لتشغيل الباحثين عن عمل من أبناء هذا الوطن العزيز، وتوفير فرص عمل في كافة القطاعات بصورة مستدامة وذلك بما يتسق مع التوجهات التي تنشدها رؤية عُمان 2040”.
إن التحديات فرصة ثمينة أمام صناع القرار للوصول إلى أهدافهم وتحقيق رؤاهم، وصناعة الحلول المستدامة للملفات الشائكة هي إحدى الغايات التي يجب أن نتفهمها جميعاً، ونعمل ونتكاتف من أجل تحقيقها وتنفيذها كي نرى رؤيتنا لعُمان 2040 واقعاً معاشًا.. وقبل التفكير في استدامة الوظائف علينا أن نتفهم أيضًا أن “الاستدامة تبدأ من أهم الموارد وأغلاها ألا وهو العنصر البشري”، فلا يمكن أن يتغير العالم ولا يتغير الإنسان، فالتغيير يبدأ من الفرد، ومع تغيير زاوية نظرنا إلى الاشياء سنرى الحلول المستدامة.