بقلم : حمود بن سالم السيابي
———————-
عاد إلى الوطن مع فجر النهضة المباركة فارعا كدقل فتح الخير .
عاد وفي كفيه ملح البحر وأشواق النواخذة ، وفرحة الوصول للشطوط الفينيقية المترعة بالخنجر الصوري والثوب والقبعة ، وتباريح القصافي واليامال ، ولوعة الشوباني وأبو الزلف، وإيقاعات المديما والتشحشح .
ورغم تشاويق العودة إلى وطن حمله معه في طفولته وشبابه ، إلا إن الروح الفينيقية المسكونة بالإبحار كانت الدافع لعدم الإستقرار طويلا في نفس المكان فيكسر قيد العمل الحكومي ويفتح رئتيه للبحر الذي يمد زرقته من اليابسة إلى اليابسة ، فيهرب من وزارة التربية إلى قصائد ولد وزير .
ويستلهم فنار العيجة ليشعل أول (سراج) في المشهد الثقافي ليقارب بين بيت البطح وبلاط سيف الدولة ، وبين فنار رأس الميل ومنارة الإسكندرية ، وبين بلاد صور ومعرة النعمان ، وليقيس وثبة خيول غيالين صور وصهيل خيول غيالين الاندلس .
وقد قرأت الحكومة روحه المتمردة على ضيق الأمكنة و زنزانات المكاتب ، فنقلته للعمل الدبلوماسي بما يوفره من ترحال وموانيء ونواخذة وشعراء .
وفي دار آل ثاني ، تحول مكتبه في السفارة العمانية بالدوحة منتدى خليجيا ينفتح على هموم المنطقة ووجع الثقافة .
وجعل من بيته صالونا أدبيا يجمع بين فرسان الميدان ونجوم التغرود واللال. ويلتقي على تكاياه شعراء العازي والهولية والسامري على إيقاعات الكاسر والمراويس والدفوف .
ويختتم رحلته الوظيفية في الحقل الذي يشبهه كمستشار بوزارة التراث والثقافة ورئيس للمنتدى الأدبي ، فيترجم تطلعات الوزارة بجعل السيب عكاظ عمان ومربدها ، وقبلة الشعر و منصة الشعراء .
ويسابق الزمن ليعلق على أشجار الأمباء والنخل في بساتين السيب القصائد كما تعلق العرب قديما معلقاتها على أستار البيت العتيق ، ويترنم تحت قمر المكان بقصائد ولد وزير ، ويعيد للسراج الذي ارتعشت فتيلته فرصة السطوع مجددا .
ولم تكن رئاسته للمنتدى الأدبي شغورا وظيفيا ، بل رحلة خالدة من رحلات النواخذة الكبار الذين يعرفون البحار وتعرفهم ، ويتعبون البحار دون أن يتعبوا ، وحين يلقون المرساة يكونون أول من ينزل وعلى جباههم طالع السعد وهم يزفون البشارات لتتبعهم التجارة المحمولة برسم الربح.
وقد شهد المنتدى الأدبي في عهده إستدعاء القناديل التي أنارت عمان طويلا ، فأقامت الوزارة في عهده أسابيع لتقليب مراحل مسيرة تلك القمم والقامات ، و الإبحار في عطاءاتها لتكريمها .
وتشاء الأقدار أن تكون منصة التكريم خاتمة مسيرة هذا الفارس ، ويكون معالي عبد العزيز بن محمد الرواس مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية هو من يكرمه تثمينا من جمعية الكتاب لمشروعه الإبداعي .
إن الشيخ سالم بن محمد الغيلاني الذي ترجل من فتح الخير أمس ، كان أحد النواخذة الكبار ، ولذلك خرجت كل صور لتستقبله عند جسر خور البطح ، وهو يحمل الكثير من الصوغات عبر إبحاره الطويل بين غربة ما قبل النهضة ، وحنينه لصخب الموانيء في عصر النهضة .
وحين أرثي سالم الغيلاني إنما أرثي سالم الغيلاني التربوي والباحث ورئيس التحرير والسفير ، وقبل وبعد كل ذلك الشاعر سالم الغيلاني .
وإذا كان الشعراء لا يموتون ، فإن هبوطه أمس من سلم السفينة إلى المرسى، هبوط بحار جاء بحمولة ليفرغها ، وستشتعل روحه لنداء الموانيء في اليابسة البعيدة وسيجدف مجددا وسيبحر بهدي من فنار رأس الميل ، وخفقان الأشرعة على بوح ولد وزير :
يا نوخذا السفينة في المجاري ارصد
ووصل دار القصور العامرة
انظر وطالع في غبة بطين الحد
مرسى مخا ريّس وحط الباوره
وقسم سلامي بين الشايب والولد
لتزيد لهذا وهذا تحقره