التاريخ البحري

فتح الخير.. سفينة عُمانية تنهي حكاية 50 سنة اغتراباً

كانت السفن إحدى الشواهد التاريخية التي تتمتع بها سلطنة عمان، اعتبرها البعض سفيرة عمان إلى كل البلاد في ذاك الزمان. وفي زيارة لنا إلى ولاية صور تلك الولاية البحرية التي تقع في شرق عمان، رأينا السفينة «فتح الخير»التي تقبع شامخة على ضفاف شواطئ البلدة وبحرها المتلألئ كمثال حي على هذا التاريخ. وفي الحقيقة أن تلك السفينة هي النموذج الوحيد المتبقي من حوالي مئة «غنجة» بدأت حياتها في صور قبل ستين عاما، فاستوقفتنا لنعرف أكثر عن قصتها ودورها البحري. ومن يُمن الطالع عند زيارتنا لها وجدنا أن هناك بعض الباحثين الأجانب الذين كانوا يتقصون الدور الريادي للسفينة في تاريخها الماضي ومكوناتها الهيكلية ومحتواها ومواد بنائها.

تعتبر سفينة «فتح الخير»، إحدى السفن التجارية التي كانت تجوب البحار والخلجان حاملة البضائع المستوردة والمصدرة من السلطنة إلى مختلف البلاد آنذاك والعكس، وكانت تحمل الهوية العمانية، وتم بيعها آنذاك لأحد التجار ومن ثم تكللت جهود المخلصين من أبناء ولاية صور في شرائها وإعادتها إلى موطنها الأصلي الذي صنعت فيه آخر السفن، التي كان يضمها الأسطول البحري الضخم وكانت تمتلكه الولاية، وكان له الفضل الكبير في التعريف بعُمان في شتى الموانئ التي رست فيها سفن ذلك الأسطول.

صنعت «فتح الخير» عام 1370 هجري الموافق 1951 ميلادي بحي الرشة بمدينة صور، وأشرف على صنعها النوخذة وهي الصفة الدالة على قائد السفينة محمد بن خميس الشقاق وتعود ملكيتها للنوخذا سعيد بن خميس ولد شيلة القاسمي وتعتبر السفينة مرتعا لأكثر وأشهر النواخذة الذين تولوا قيادتها آنذاك، منهم عبدالله بن راشد بن سعيد مهنا السناني «رحمه الله»، وسعيد بن مبارك العتيقي.

سميت «فتح الخير» تفاؤلا لمساعيها التجارية ونزول المطر في اليوم الأول لصناعتها، وقد عملت فتح الخير 43 سنة منها 24 سنة في صور و 19 سنة في دبي واليمن بعد بيعها.

كانت السفينة «فتح الخير» تقوم بحمل البضائع العمانية من التمر والبسر والسمن والزيت وما يوجد في أرض عمان في ذاك الوقت، وتتجه به إلى السواحل الأفريقية من زنجبار وبمبا ومالاوي وإلى الهند والبصرة بالعراق، وإلى بعض الدول الخليجية مثل البحرين وقطر وتحمل على متنها مايسمى بـ «الدعن»، وذلك لعمل أسقف البيوت وكذلك تحمل البهارات والتوابل والبضائع المختلفة من تلك البلاد. لقد بيعت فتح الخير من زمن بعيد إلى تاجر من دبي يدعى سيف بن سعيد الجروان، حيث اشتراها عام 1975 ثم باعها فيما بعد لتجار يمنيين. وكانت السفينة ولا تزال في اليمن حتى عام 1993، وفي زيارة لأحد المخلصين من أبناء صور إلى اليمن، رآها هناك وأبلغ عنها أسرة المالك الأول، وتبلورت فكرة إعادتها، كونها آخر سفينة من نوعها، إلى موطنها الأصلي صور، وبدعم مالي من قبل الشيخ سهيل بن سالم بهوان، والشيخ سالم بن سعيد الفنه العريمي، وبتكلفة قدرها 31.500 ألف ريال أو نحو 83 ألف دولار أميركي أنيطت بالنوخذة محمد بن حمد بن ناجم الغيلاني مهمة قيادة السفينة «فتح الخير» وإعادتها إلى مسقط رأسها. وقد أرسيت بعد وصولها في خور صور قبالة الحي الذي شهد مولدها الأول، ووضعت على أرض مستصلحة بجانب كورنيش حديث يحيط بالمدينة القديمة، حيث ستكون نواة متحف بحري يعتزم أهالي صور إقامته كشاهد على عراقة المدينة وعظمة تاريخها البحري، لتكون رمزا شامخا للمدينة على مر العصور.. وطبعا لم يكن الثمن رخيصا في عودتها.

وتعتبر السفينة هذه إحدى المعالم التراثية التي تعكس الواجهة البحرية العمانية التي جابت بحار ومحيطات العالم، وبعد أن أعيدت السفينة إلى صور تآلبت الجهود ومساعي المؤسسات منها وزارة البلديات والبيئة وموارد المياه والشركة العمانية للغاز المسال، بالشروع في إنشاء مركز ومتحف لها يضم بمحتوياته المجسمات والتحف البحرية المتعلقة بالبحر وبذات السفينة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى