من مسقط الى صور .. طبيعة بحرية قل نظيرها
شعاب مرجانية وسلاحف وطيور وحيتان ودلافين أبرز معالم التميز
قام بالرحلة – داود البلوشي : الرحلة كانت جميلة جدا ومشوقة ، فمع بزوغ خيوط الفجر الناعمة التي تداعب نسيم البحر الهادئ عقدنا العزم على الذهاب في رحلة بحرية استكشافية لمعالم الطبيعة البحرية العمانية التي تزخر وتتفرد بها ، الرحلة كانت عبارة عن استرخاء تام من عناء اسبوع مثقل في العمل والابتعاد عن الحياة الاجتماعية الصاخبة والزحمة المعتادة في المدينة كل صباح ونحن ذاهبون الى العمل ، لم نكن نحمل معنا سوى بعض الاكل البسيط وبعض ادوات الاسعاف الاولوية وخيمة للمبيت وبعض مصابيح الانارة وقنديل تقليدي كبير أصر زميلي ان يأخذه معنا لكي يحس بطعم الرحلة التقليدية ، كما حرصنا على ان تكون معنا ادوات الغوص البسيطة والتي هي عبارة عن نظارة مائية وعصا كبيرة يوجد في نهايتها حديد محدب لكي نستطيع به صيد بعض الاسماك ونحن تحت الماء.لقد كانت نقطة الانطلاقة من ساحل ولاية قريات التي تتميز في الصباح الباكر بمنظر الصيادين وهم راجعون من رحلة صيد ليلية وبروعة منظر الطيور البحرية وهي مجتمعة في الصباح الباكر ، متجهين الى منطقة رأس الحد بمدينة صور مرورا بأجمل وأحلى المناطق السياحية على طول هذا الطريق وهي مناطق ضباب وفنس وطيوي وقلهات . لقد كانت رحلة جميلة جدا وكان مقصدنا هو ان نتوقف في منطقة بحرية جميلة جدا وتأخذ الالباب وهي منطقة تسمى (مكلا وبر) وتقع ما بين منطقة فنس وطيوي ، وتتميز هذه المنطقة بانها منطقة سياحية ويقصدها الكثير من السياح الاجانب والمحليين بغرض المبيت في هذه المنطقة لما تحمله من الهدوء النسبي الممتزج بسحر رمالها الذهبية النظيفة التي يتهاتف الكثير من السياح للمبيت فيما ، كما تتميز هذه المنطقة بوجود سلسلة جبلية ممتدة داخل البحر مما جعلها فرصة جيدة لهواة الصيد والغوص لرؤية المعالم البحرية التي توجد تحت الماء في هذه المنطقة .
الغوص تحت الماء
فعند وصولنا الى منطقة (مكلا وبر) بعد ساعة من نقطة الانطلاق أرسينا القارب على الشاطئ وبدأنا في بناء خيمتنا الجميلة على تلك الرمال الذهبية التي سحرتنا بروعة منظرها وبنظافتها ، وبعد الانتهاء من بناء الخيمة قام صديقي بعمل قهوة جميلة جدا لكي تريحنا من عناء الرحلة وذلك استعدادا لبدء رحلة الغوص تحت الماء والاستمتاع بالمناظر الجميلة ، ومن ثم بدأنا بالغوص في تلك المنطقة ، وبالفعل لم اكن أتوقع ان أشاهد جمال البيئة البحرية العمانية في تلك المنطقة ، فالأسماك غريبة اللون وهناك روعة الشعاب المرجانية وهي على اسطح الجبل تحت الماء التي تنعكس مع زرقة الماء تعطيك احساسا جميلا يريح عنك تعب شهر من العمل المتواصل ، ولقد تمكنا من اصطياد عدد من الاسماك بالعصا الخشبية التي كنا نحملها معنا تحت الماء وقمنا بشيها وأكلها على الشاطئ بعد رحلة الغوص الممتعة التي استعدت فيها ذكرياتي القديمة أثناء الدراسة عندما كنا في نهاية كل أسبوع نذهب للغوص عند قلعة الصيرة التي تتوسط شاطئ ولايتي وكنا نذهب من الصباح الباكر ونغوص ونصطاد ونأكل ما قمنا باصطياده طوال النهار ونرجع للبيوت بعد مغيب الشمس في رحلة جميلة جدا .
الدلافين والحيتان
وبعد الاستمتاع برحلة الغوص واكل السمك الطازج في منطقة (مكلا وبر) ، قررنا أن نكمل مشوار رحلتنا الى مدينة صور العفية ، تلك المدينة التي يشهد لها التاريخ بحضارتها البحرية التي وصلت الى شواطئ افريقيا والهند ، وأثناء رحلتنا في عرض البحر استمتعنا كثيرا بمنظر دولفين (سبنسر) وهو يقفز ويلعب بجنب قاربنا وكأنه كان يسايرنا في رحلتنا البحرية ، حيث ان هذا الدولفين يعد من أكثر الدلافين شهرة في البحار العمانية ، كما رأينا في الجانب الاخر وعلى مسافة كبيرة حوت ضخم يقفز في الماء فحاولنا أن نبتعد قليلا عن مسار هذا الحوت الضخم ، واعتقد انه كان حوت العنبر الذي يعتبر من أكبر المخلوقات ذات الاسنان حجما في العالم في المياه العميقة البعيدة في بحر العرب وخليج عُـمان ، حيث يبلغ طول ذكر حوت العنبر نحو 16 مترا وهو أكبر حجما من الانثى التي يصل طولها نحو 12 مترا كحد أقصى .
كما ان هناك أنواع عديدة من الحيتان الكبيرة في مياه السلطنة مثل حوت الساي السريع الذي بإمكانه الاندفاع بجسمه الضخم الذي يزن (30) طنا من المياه بسرعة (30) كيلومترا في الساعة وهناك أيضا حوت المنك الأملس وحوت برايد أو الحوت الاستوائي الذي يعيش بصفة مستديمة في المياه العمانية وكذلك الحوت الأحدب ذو الزعانف البيضاء الرفيعة الطويلة التي تفوق بطولها الإنسان كما أنها شبيهة بالأجنحة وبالرغم من ذلك فإن بعض الحيتان تسبح بالقرب من الشاطئ وأحيانا تسبح في مياه لا يكاد يزيد عمقها عن مترين أو ثلاثة أمتار مما يجعل من أجسامها الضخمة تطفو تطوف فوق المياه ، أما الحيتان الأخرى فتظل في المياه العميقة البعيدة عن شواطئ السلطنة مثل حوت العنبر الذي يتميز بأكبر دماغ في مملكة الحيوان وكذلك هناك الحوت ذو الأنف (كوفيير) الذي قليلا ما يشاهد ولا نعرف عنه الكثير .
السلحفاة الخضراء
وعند اقترابنا من مدينة صور كان لمنظر السلاحف البحرية وهي تسبح وتلعب على سطح الماء يبعث فيك شيئا من الارتياح لانك ترى هذه المخلوقات تعيش في أمان وسلام في البيئة البحرية العمانية ، وقررنا بعدها ان تكون رحلة مبيتنا في الليل بالقرب من محمية السلاحف البحرية وذلك لكي نتمكن من الاستمتاع برؤية السلاحف البحرية وهي تخرج في الليل لكي تضع بيضها على طول السواحل الممتدة من مدينة صور الى منطقة رأس الحد . ولقد وصلنا الى مقصدنا عند العصر وتمكنا من بناء خيمتنا وطهي الشاي والقهوة بالطريقة التقليدية على الخشب ، وبعد الانتهاء من فترة الراحة وشرب الشاي والقهوة قمنا بجولة المشي على الاقدام في منطقة محمية السلاحف لكي نتعرف على أهم ملامح هذه المحمية البحرية المهمة ، حيث تعد هذه المحمية من أهم المحميات الطبيعة البحرية في السلطنة ،وتتويجا للجهود الهادفة إلى المحافظة على حماية الأنواع النادرة من الكائنات البحرية التي تزخر بها البيئة العمانية ، ومن أهمها السلاحف البحرية ، تم الإعلان في عام 1996م عن إقامة هذه المحمية ، وتمتد على مساحة 120 كيلومترا مربعا من الشواطئ والأراضي الساحلية وقاع البحر وخوري جراما والحجر لتكون بذلك مأوى طبيعيا وآمنا لآلاف السلاحف النادرة التي تأتي إلى هذه المنطقة لتعيش وتتكاثر لكون هذه الشواطئ مواقع تتجتذب اكبر عدد من السلاحف الخضراء المعششة في السلطنة والمهددة بالانقراض حيث يبلغ عدد السلاحف التي تعشش في هذه المنطقة كل عام حوالي 6000- 13000 سلحفاة تفد إلى السلطنة من مناطق أخرى بعيدة مثل الخليج العربي والبحر الأحمر وشواطئ الصومال .
وعند تجوالنا تعرفنا على احد سكان المنطقة ، فتحدثنا معه عن هذه المحمية وما تضمه من معالم طبيعية ، فقد قال لنا انها تضم العديد من المواقع الأثرية المتنوعة ذات الأهمية التاريخية في مواقع متفرقة في كل من شبه جزيرة رأس الحد وخور جراما ، وكذلك في منطقة رأس الجنز ورأس الخبة . وتعتبر السلاحف البحرية من أهم الموارد الإحيائية بالمحمية حيث تعشش غالبيتها على امتداد شريط ساحلي يبلغ طوله حوالي 45 كم من المنطقة الممتدة من رأس الحد إلى رأس الرويس . كما يتميز خور جراما بالإضافة إلى السلاحف بوجود مجموعات من أشجار القرم الصغيرة ومجموعات المرجان المنتشرة في الشواطئ الصخرية ، ووجود بيئة خصبة لتكاثر الأسماك لاحتوائها على العديد من القشريات والكائنات الحية الدقيقة التي تصلح كغذاء لهذه الأسماك . كما تعتبر المسطحات الطمية المحيطة بخور جراما مناطق تغذية مهمة للطيور الشتوية ، إلى جانب المرتفعات الصخرية الساحلية التي تشكل مواقع تعشيش للعديد منها حيث تم تسجيل ما يزيد على 130 نوعا من الطيور المهاجرة والمستوطنة واهمها طيور النورس والخرشنة ، إضافة إلى ذلك فان هذه المحمية تعد موطنا لاعداد أخرى من الحيوانات البرية كالثعلب الأحمر وبعض الغزلان والقنفذ الأثيوبي والأرنب البري .
أما في الليل فقد أستمتعنا كثيرا بمنظر السلاحف البحرية وهي تخرج من البحر متجهة الى الشاطئ لكي تضع بيضها في حفر تقوم هي بحفرها وهي مستمتعة بالهدوء وبالامان اللذين تلمسهما خلال تواجدها بالمنطقة ، وبعد عملية وضع بيضها ترجع بهدوء تام تشق طريقها وسط الرمال الى البحر تاركة بيضها في الحفرة في أمان الطبيعة الى ان يفقس ويخرج الصغار ويلتحقون بركب البيئة البحرية العمانية ليعيشون أيضا في أمان وسلام تام .
لقد كانت رحلة جميلة بالفعل ، استمتعنا فيها كثيرا بالمناظر الطبيعية البحرية الجذابة التي تضمها البيئة البحرية العمانية ، فمن منظر زقزقة الطيور البحرية في الصباح الباكر الى منظر الاسماك والشعاب المرجانية تحت الماء ، والى روعة حب الدلافين وهي تقفز بجنب القارب ومنظر حوت العنبر وهو يمخر عباب البحر ، وسحر منظر السلحفاة الخضراء وهي تسبح على سطح الماء ، وجمال روعة منظر السلاحف البحرية وهي تخرج من البحر لتضع بيضها على الشاطئ . فمن خلال هذه الرحلة البحرية تاكد لنا أمران مهمان وهما ان البيئة البحرية العمانية تضم وتتفرد بموارد طبيعية وفيزيائية نادرة ومهمة ، وكذلك ان الحكومة تبذل جهودا متواصلة ومستمرة في الحفاظ على الموارد البحرية العمانية من خلال سن القوانين والتشريعات البيئية وكذلك من خلال انشاء المحميات الطبيعية التي تكفل حماية وصون مختلف الحياة الفطرية في السلطنة . فالدعوة مفتوحة للجميع للاستمتاع بما تزخر به البيئة البحرية العمانية من موارد فيزيائية وطبيعية وبيئية مهمة ومتنوعة ونادرة .