أوراق صورية لـــ محمد بن سيف الرحبي
تشاؤل: لـــ محمد بن سيف الرحبي : ورقة أولى: أحاول أن أكتشف المدينة بعد سنوات من الغياب، لم تعد بعيدة كما كانت قبل أعوام، اختصرت المسافة بينها ومسقط، اقتربت أكثر، اتسع الدرب إليها، وتجمّل كثيرا، والبحر على مقربة دائمة، ينأى عن النظر ليعود سريعا، تتسلل زرقته عبر الجبال الحارسة، وتسمح حينا بعد حين بأن نراه متمددا على مد الأفق. كانت صور تستقبل شمس يوم جديد، كأنني أكتشف أنها لا تشبه المدينة التي رأيتها قبل سنوات، أو كأنني نسيت كيف كانت فلم أعد قادرا على تمييز الفوارق.ورقة ثانية: قلت للعامل الآسيوي أن يأتيني بشاي (كرك) وكررت الطلب مرة بعد مرة في أوقات لاحقة، وكان العامل يبدو واحدا حيث تشابهت الوجوه، وعلى كل زاوية هناك مقهى يبيع هذا الشاي الذي تأثرت بثقافته الآسيوية هذه المدينة من القدم لأنها مدينة المسافرين دوما من حيث خبرتها بالبحر والتجارة عبره. هكذا انتقلت عدوى هذه الثقافة مؤخرا بين مدن السلطنة، وبات شاي الكرك مطلبا دائما، كما كانت (موضة) المندي اليمني، حتى نسينا (القبولي) العماني.
ورقة ثالثة: كراسي القاعة خاوية إلا من المشاركين، وهي متسعة كاتساع المدينة كتابا ومثقفين ومحبين للشعر وللحكايات.. عشرات الشعراء جاءوا من السلطنة ومن دول مجلس التعاون الخليجي، والحكايات تناثرت جميلة، لكن كل تلك الأعداد لم تعد قادرة على جذب مستمع لكل شاعر أو قاص على الأقل، قرأوا لبعضهم البعض، واستمعوا.. وكأن المدينة ليست معنية بهم. الشاعر الجميل محفوظ الفارسي وحده لمحته يأتي قبل الجميع، ومعه الشاعر عبدالله العريمي بتواصله الأجمل مع أصدقائه (رفاق) الكلمة.
ورقة رابعة: الأيام الأولى أصابتني بإحباط عن حال المدينة، كأنها ليست مدينة الأثرياء الذين خرجوا من صور ليمسكوا بتلابيب الاقتصاد المحلي، تخيلتها تشبه المدن الكبرى التي قد لا تشبه أية ولاية عمانية، هي مكان استثنائي في علاقته مع البحر، ومع التاريخ، ومع الذين ولدوا فيها فعشقتهم الملايين والبلايين من الريالات. عندما سرت قريبا من الشارع البحري تبدد بعض الإحباط مني، رأيتها مدينة رائعة توفر فرصا رائعة للسير قريبا من بحرها، والطقس رائع..
هل تستحق هذه المدينة هذا فقط؟ على جسر العيجة تراءى الجمال عميقا، إنما لم يفت نفسي الأمّارة بالانتقاد أن تتساءل: هل حجم الجسر يستحق كل تلك الأطنان من الأخبار والتحقيقات والصور التي نشرت عنه حتى أنني تخيلته بأضعاف هذا الحجم؟!
ورقة أخيرة: البحر يهمس للمدينة، والمدينة تهمس لنا. المدينة تفتح أذرعها. كانت السفينة فتح الخير تلقي علينا بذكريات البحر، وقصيدة الراحل ناصر البلال حين تركت موانئ الدنيا لتقف بشموخ على الأرض التي ولدت فيها. ألف محبة يا صور، أضعها على موج سواحلك، وعلى أغاني البحارة تحفظ أغانيهم شواطئ بحار ومحيطات.