صناعة السفن في صور.. هل تندثر يوما؟
إن السالك لطريق جسر خور البطح في ولاية صور لا يمكن أن يتوارى عن ناظريه تلك البقعة الواسعة على جانب الجسر الحاملة للأخشاب وأدوات النجارة والحبال والتي علق عليها حديثا (ملك للهيئة العامة للأعمال الحرفية). مصنع السفن في ولاية صور الذي يمتد على الخط الساحلي لخور البطح ليشغل مساحة ليست بالقليلة من المنطقة، تتراءى منه أجسام سفن خشبية في طور الصنع لتشد رحالها بعد السنة أو السنتين شاقة طريقها بحرا إلى حيث مقصدها. وصناعة السفن في ولاية صور قديمة قدم التاريخ البحري لبطولاتها، يحاول ثلة من أهلها جاهدين للحفاظ على ما تبقى من ذلك التراث بعد رحيل رواده من الربابنة والصانعين لها. «عمان» تستطلع دور مصنع السفن في ولاية صور.
يدور الحوار مع المواطن علي بن جمعة بن حسون العريمي أحد أبناء صاحب مصنع السفن في الولاية « جمعة بن حسون العريمي» حيث يقول: هذا المصنع هو الوحيد للسفن في ولاية صور والذي يبلغ من العمر ما يزيد عن 200 سنة خرجت منه أنواع من سفن الغنجة والسنبوق والبوم منذ سنين مضت ليقتصر الآن إنتاجه على السفن من نوع الشيوعي والتي تستخدم للصيد والسياحة. ويقول علي العريمي: لم تعد صناعة السفن كما كانت سابقا ولم يعد الطلب عليها مثل السابق وما نصنعه من سفن عابرة للبحار منذ سنوات هو من نصيب دولة قطر التي منعت استخدام أنواع «الفيبر جلاس» في مياهها لتستبدله بالسفن من نوع الشيوعي لأغراض السياحة. ويضيف: «خرجت من هذا المصنع سفينة المسرة التي أخذت في الصنع سنتين إلى سنتين ونصف السنة وسفينة صور التي أهديت لجلالته في زيارته للولاية.
غياب الدعم
يقول علي بن جمعة العريمي طالبنا منذ سنوات بتمليكنا للأرض التي نشأ عليها المصنع منذ القدم والذي توارثناه جيلا بعد آخر وخاطبنا الجهات ولكن دون جدوى، لتكون اليوم هذه الأراضي ملكا للهيئة العامة للأعمال الحرفية ولا نعلم ماذا ينتظر هذا المصنع في السنوات الآتية. ويضيف: والمصنع الذي خرجت منه سفن يشهد لها التاريخ لم يحظ مطلقا بتمويل حكومي بالرغم من التراث البحري الذي طالما تغنت به الولاية وتفتخر به السلطنة. وفي لقاء سابق جمعني بصاحب المصنع جمعة بن حسون العريمي كان يقول: تعرض مصنعنا لاشتعال حريق أدى إلى خسائر ليست بالقليلة ولم نشهد أي عون من جهات حكومية لإعادة المصنع إلى ما كان عليه.
كيف تتم صناعة السفن؟
ويقول علي بن جمعة العريمي: تتم صناعة السفينة بوضع القاعدة (الهيراب) حيث تثبت عليها مجموعة من الألواح تسمى (شراير)، بعدها يتم تركيب مجموعة من الأخشاب المنحنية تسمى (الحلقام)، ثم الأضلاع الرئيسية وتسمى (الشلمان) بعد ذلك يتم استكمال تركيب الأضلاع وبقية الألواح وتمر كل هذه العمليات بعدة مراحل تتطلب جهدا فكريا متميزا وطاقة عضلية وصبرا ومراسا منقطع النظير.
ويدخل خشب الساج بشكل رئيسي في صناعة السفن خصوصا الأجزاء الرئيسية منها كالهيراب والشرائر ويأتي آخر نوع من الأخشاب يسمى (بنطيج) بالدرجة الثانية في تركيب السفينة بالإضافة إلى ذلك تستخدم أخشاب الفيني وفن أصل والفنس والبنجلي وكرنج وهذه جميعها تستورد من الهند، أما أضلاع السفينة الشلمان فيتكون من أخشاب السدر والقرط العمانية بالإضافة إلى خشب الميط الصومالي. ويضاف إلى ذلك (القلفاط) القطن المستخدم في سد الفتحات الضيقة جدا ما بين الألواح. الطريقة الثانية هي {طريقة المسامير} وهي طريقة تقليدية متشابهة في جوهرها مع مناطق الخليج العربي وكذلك مناطق البحر الأحمر . ولقد نشأت بصورة عامة صناعة الحدادة لسد النقص في أنواع المسامير والأدوات الحديدية التي تحتاجها صناعة السفن بالإضافة إلى الأدوات المنزلية والزراعية. أما الأدوات المستخدمة في بناء السفن فجميعها بدائية وبسيطة كالمطرقة والمنشار ومثقاب الخيط والقوس والأزميل والسحج وحديدة القلفطة.
عزوف الأبناء
ويقول علي بن جمعة العريمي: إن الإشراف على صناعة السفن في مصنعنا إشراف عماني حتى في مقاسات السفن المصنوعة بأنواعها وتساعد في الصنع الايدي العاملة الوافدة ممن امتهنوا النجارة. وعلى الرغم من وجود الشباب الحرفيين والمهتمين بصناعة المجسمات التذكارية من السفن إلا أن بعضهم يفتقر للجودة ومعرفة أساسيات أشكال السفن الخاصة بكل نوع.