الأخبار المحليةمراسي
علي المديلوي: تاريخ عُمان ضارب في القدم وممتلئ بالكنوز
مسقط – “الخليج”:
تزخر سلطنة عمان بالعديد من المتاحف التي تحكي لنا صفحات مشرقة من التاريخ والحضارة على مر العصور، ويوجد فيها الكثير من المقتنيات الأثرية التي تمثل كل أنواع النشاط البشري الاجتماعي والسياسي والثقافي . وطورت تلك المتاحف باستخدام الأجهزة الحديثة كما أدخلت فيها وسائل العرض المتطورة .
تزخر سلطنة عمان بالعديد من المتاحف التي تحكي لنا صفحات مشرقة من التاريخ والحضارة على مر العصور، ويوجد فيها الكثير من المقتنيات الأثرية التي تمثل كل أنواع النشاط البشري الاجتماعي والسياسي والثقافي . وطورت تلك المتاحف باستخدام الأجهزة الحديثة كما أدخلت فيها وسائل العرض المتطورة .
عن متاحف عمان، وتاريخها، حاورت “الخليج” الدكتور علي المديلوي، الباحث في الدراسات التاريخية بوزارة التراث والثقافة العمانية، والذي حصل مؤخراً على جائزة التفوق العلمي لشباب الآثاريين العرب عن مجمل أبحاثه، كما نال جائزة الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود للدراسات التاريخية في الجزيرة العربية وحضارتها، والتي اعتبرها من أهم إنجازاته .
ويؤكد المديلوي في حواره على أن عُمان قدمت نفسها منذ الفترات التاريخية المبكرة كشريك رئيس في منظومة المدنيات القديمة ورسخت نفسها حالياً كطرف فاعل ومؤثر خلال الفترات الإسلامية والحديثة، الأمر الذي دفع منظمة اليونسكو لإدراج عدد من المواقع العمانية على قائمة التراث العالمي، مثل موقع “بات” الأثري ومقابر العين وحصن بهلاء، وغيرها . وإلى نص الحوار . .
هل لك أن تعرفنا بشكل موجز بالأبحاث الذي نلتم عليها جائزة الآثاريين العرب؟
جائزة الآثاريين العرب هي جائزة تمنح سنوياً من قبل الاتحاد العام للآثاريين العرب في القاهرة، في فروع العمل الآثاري المختلفة، ولقد وفقني الله خلال هذا العام وفزت بها، عن مجمل بحوثي ودراساتي الآثارية والتاريخية المحكمة التي نشرت في المجلات المتخصصة، إضافة الى الدراسات والبحوث والأوراق العلمية التي شاركت بها في العديد من المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية الآثارية والتاريخية، والتي رأت فيها اللجنة العلمية تميزاً وجدة في الطرح، أيضاً تزامن تكريم القاهرة مع تكريم آخر لايقل أهمية عنه . بل أعده الأهم بالنسبة لمسيرتي العلمية،وهو الفوز بجائزة الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود للدراسات العليا في تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها لغير السعوديين . وهي جائزة سنوية تمنح من قبل هيئة كرسي الأمير سلمان بن عبد العزيز لدراسات الجزيرة العربية وحضارتها في جامعة الملك سعود . وجاء فوزي بهذه الجائزة عن دراستي للدكتوراه بعنوان: “تجارة مجان في العصور القديمة من 3000-1300 قبل الميلاد” وهي تتحدث عن تجارة مجان خلال فترات النهوض الحضاري لعمان وتأثير هذه التجارة على مجمل الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع العماني القديم، وهي دراسة تعتمد على الدليل العلمي الآثري في تبيان معالم هذه الحضارة والأثر الذي تركته في شتى المواقع الأثرية التي اكتشفت في عمان والإمارات وكانت شاهدة على المستوى الحضاري الذي وصل إليه هذا المجتمع العريق، الدراسة موثقة بالنصوص المسمارية التي استقيتها من أرشيفات بلاد مابين النهرين (العراق حديثاً) وهي شاهدة على مستويات رائعة من الحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية التي وصلت إليها هذه المجتمعات الخليجية، وامتداد تجارتها ومجمل علاقاتها الاقتصادية والحضارية مع مراكز الحضارة المجاورة القديمة، كدلمون وبلاد فارس وعيلام ووادي الأندوس وبلاد الأناضول وحضارة وادي النيل،حيث كشفت الدراسة في كثير من نتائجها عن مساهمة مجتمع مجان الحضاري في حقب التاريخ القديمة في رسم إطار التطور الحضاري للمنطقة،ووضع أبجديات العمل الاقتصادي أو التجاري في منطقة الشرق الأدنى القديم من خلال انخراطه في شبكة تجارية معقدة بدأت تتضح معالمها خلال بواكير الألف الثالث قبل الميلاد في هذه المنطقة .
ماذا عن أبحاثك الأخرى المنشورة؟
نشرت لي أبحاث في عدد من المجلات العلمية المحكمة لمواضيع مختلفة تدور في فلك تاريخ الخليج والجزيرة العربية القديم على وجه العموم والعماني على وجه الخصوص، فقد نشرت في العام 2005 في مجلة (أدوماتو) العلمية بحثاً بعنوان “الصلات الحضارية بين إقليم مجان والمراكز الحضارية المجاورة خلال الألفين الرابع والثالث قبل الميلاد”، وهي دراسة تتحدث عن العلاقات الحضارية التي ربطت بين إقليم عمان والمراكز الحضارية المجاورة كبلاد الرافدين ووادي الأندوس (الهند وباكستان) وعيلام(إيران) ومملكة دلمون البحرين ودور التجارة البينية التي ساهمت في تقارب هذه المجتمعات حضاريا، كما نشرت لي مجلة جمعية التاريخ والآثار الخليجية، بحثاً بعنوان: “بدايات التواصل الحضاري بين مراكز الخليج العربي الحضارية وبلاد الرافدين- العُبيد أنموذجاً” وهي دراسة آثارية وتاريخية تُوصل لتاريخ العلاقة الحضارية التي ربطت بين بلاد الرافدين ومراكز الخليج الحضارية، وتبحث في أصل هذه البدايات التي وجدنا أن جماعات من العُبيد (الاسم نسبة إلى موقع أثري) وصلت إلى سواحل الخليج منذ منتصف الألف الرابع قبل الميلاد قادمة من بلاد الرافدين تحمل معها ثقافة جديدة تمثلت في صناعة الفخار وبعض المنتجات الأخرى أدخلتها إلى مجتمعات الخليج العربي .
ولي بحث نشرته مجلة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في تونس، بعنوان: “التحصينات العمانية نظرة في الموروث الحضاري” وهي دراسة موسعة عن التحصينات العمانية من قلاع وحصون والتطور التاريخي لهذه التحصينات وأثرها في حياة المجتمع،إضافة إلى الأدوار العسكرية التي لعبتها في حماية المدن والقرى من الأخطار خلال فترات الحروب المختلفة، وهناك أيضا مجموعة من البحوث والدراسات المختلفة التي نشرت في بعض المجلات والصحف العربية والخليجية والمحلية .
ما المشروع الذي تعمل عليه حالياً؟
منذ صدور كتابي الأول بعنوان: “ثقافة جمدة نصر في إقليم عمان من 3200-2700 قبل الميلاد” سنة 2007م،لم يكن لي إصدار آخر باستثناء الدراسات العلمية المنشورة، وفي الفترة الأخيرة جمعت بعض الدراسات والمحاضرات والمقالات لتضمينها في كتاب واحد بعنوان: “دراسات في تاريخ عمان الحضاري”، وهي حالياً بمرحلة المراجعة النهائية قبل نشرها .
ما تقييمكم للبحث العلمي في السلطنة، هل يلقى الدعم المناسب وماذا يحتاج ليتطور؟
أولت سلطنة عمان اهتماماً كبيراًفي النهوض بمراكز البحث العلمي، لخدمة الباحثين وتنمية ثقافة التواصل لديهم للارتقاء بالبحث العلمي، الذي يعد ركيزة أساسية مهمة في تطوير المؤسسات التعليمية المختلفة، وتنمية مهارات الباحثين، وإثراء معارفهم، ومن ثم فإن وجود مراكز بحثية تعمل على دعم وتبني مشاريعهم البحثية يخلق باحثاً جيداً، ويساهم بدفع عجلة التنمية ويطور الخطط التنموية والإستراتيجية للدولة، كما أنه يخلق جيلاً مثقفاً واعياً بأهمية البحث العلمي لدفع عجلة التنمية المستدامة في السلطنة، وفتح مجال واسع للتواصل بين الباحثين في كافة المجالات . السلطنة وفرت الإمكانيات المادية والجهود التي تعزز البحث العلمي من خلال بناء وتوفيرالأجهزة والبرامج للبيئة البحثية الملائمة للباحثين لتنفيذ مشاريعهم البحثية، وأصبحت موجودة في شتى القطاعات المختلفة وإن كنا نرى أنها غير ظاهرة أحياناً وغير مفعلة أحياناً أخرى أو تحتاج إلى تطوير، ولذلك نقترح تفعيل دور المراكز البحثية بشكل أكبر والارتقاء بالبحث العلمي وتفعيل ثقافة التواصل بين الباحثين ومنظومات ثقافية عالمية .
هنالك عدد لابأس به من المتاحف في السلطنة هل تراها تكفي أم تحتاج للمزيد؟
تزخر السلطنة بالعديد من المتاحف التي تحكى لنا صفحات مشرقة من التاريخ والحضارة العمانية على مر العصور، ويوجد بها الكثيرمن المقتنيات الأثرية التي تمثل كافة أنواع النشاط البشري الاجتماعي والسياسي والعسكري والثقافي عبر مراحل مهمة من التاريخ العماني، إضافة الى معروضات من بيئة الإنسان العماني الأرض والبحر والحيوان والنبات، وقد تم تطوير المتاحف باستخدام الأجهزة الحديثة ووسائل العرض المتطورة، وتجدر الإشارة هنا إلى أننا احتفلنا منذ أيام بافتتاح المتحف الوطني الذي سخرت له إمكانيات كبيرة ليتواكب والتطور الذي يشهده قطاع المتاحف في العالم، ليكون باكورة متاحف عمانية ذات طابع شمولي تضم منجزات ومفاخر الإنسان العماني .
إلا أن كثيراً من المتاحف لايرقى إلى المؤمل منها، فهي تفتقد الخبرات والكوادر المؤهلة، ولذلك ينبغي إعادة النظر في تجديدها المناسبة حتى يتوفر الحافز لتكرار زيارتها بينالفترة والأخرى، مثل متحف الطفل الذي يحتاج إلى التطوير باستمرار ليواكب التطور السريع في الرؤى والمفاهيم والنظريات التي تخاطب الطفل،إضافة إلى التفكير في إنشاء متاحف أخرى متخصصة كمتاحف للزراعة والصناعة والتكنولوجيا والفلك وغيرها من القطاعات الحيوية التي يجب وضع تسلسل و تطور تاريخي وثقافي لها، وإعداد الكادر المتخصص والمؤهل علمياً للإشراف عليها، وأتمنى من القائمين على هذه القطاعات الأخذ بهذه الاقتراحات لتطوير قطاع المتاحف في السلطنة .
تاريخ السلطنة غارق في القدم و بعض المواقع فيها تم تسجيلها على قائمة اليونسكو للمواقع الأثرية، هل يدفعك ذلك لبذل المزيد من الجهد؟
لعمان تاريخ ضارب في القدم . فمنذ فجر التاريخ وعمان تحكي لنا فصولاً من التطور الحضاري للمجتمعات التي وطئت هذه الأرض الطيبة التي كانت موطئ قدم أولى الهجرات البشرية لإنسان إفريقيا الأول الذي مر بجنوب عمان و أسس البدايات الأولى للتجمعات السكانية في داخل عمان وعلى سواحلها وأنتج ثقافات متنوعة ساهمت في وضع الأطر العامة لتطور المجتمع .
لقد كانت فترات ماقبل التاريخ في عمان فترات خصبة من حيث وفرة الموارد الطبيعية وكثافة الإنتاج الذي نافس مجتمعات وشعوب أكثر تطوراً في المنطقة،كماأسست شبكات تجارية معقدة ساهمت بلاشك في التطور الحضاري لشعوب المنطقة، بفضل تميز موقعها وتوزع موانئها على بحار عدة،إضافة إلى توفرثرواتها من المواد الخام المهمة للصناعات المختلفة .
من هنا وجدنا كماً هائلاً من نصوص بلاد الرافدين التي تحدثت بإسهاب عن مجان وعن تجارتها وسفنها العظام التي كانت تتواصل مع بلاد الرافدين عبر تاريخ طويل، لقد قدمت عمان نفسها منذ تلك الفترات التاريخية المبكرة كشريك رئيس في منظومة المدنيات القديمة وصولاًإلى الفترات الإسلامية ومن ثم الفترات الحديثة التي رسخت فيها قدم عمان كطرف فاعل يؤثر ويتأثر بما حوله خلال مسيرة تاريخه الطويلة .
وتتويجاً للجهود الصادقة التي عملت ومازالت تعمل لإبراز مواقع عمان التاريخية والحضارية والطبيعية والثقافية، تم إدراج بعض المواقع العمانية في قائمة التراث العالمي، كموقع بات الأثري بالإضافة إلى مقابر وادي العين في ولاية عبري، وحصن بهلاء وواحتها، ومواقع وادي دوكة المشهورة بأشجار اللبان في المنطقة الجنوبية، ومحمية المها في المنطقة الوسطى، وغيرها من المواقع والمحميات الطبيعية والثقافية، وحقيقة الأمر أن جهود الحكومة واضحة للعيان لحماية هذه المحميات وتطويرها،إلا أن الأمر يحتاج إلى جهود بحثية أكثر وإجراء دراسات متخصصة للكثير من الشواهد الأثرية والحيوانات والنباتات النادرة لتواكب الحماية لهذه المواقع .
ما مهمة الباحث الأثري برأيك؟
الباحث الأثري مطالب أن يميط اللثام عن المواقع الأثرية ويزيل الإبهام الذي يكتنف الخرائب والصروح ويستنطق الشواهد والأدلة الأثرية المكتشفة، وهنا تكمن المعضلة فهذه الأعمال التي يجب أن يقوم بها الباحث الأثري تنطوي على الكثير من التعقيد والصعوبة لأنها تعتمد على علوم شتى لمختلف التخصصات العلمية منها والإنسانية، ولذلك فإن الباحث الأثري يجب أن يقود معه فريق علمي له تفرعات مختلفة، وآخر إنساني له تداخلات مختلفة للقيام بمهام الحفريات الأثرية، لكي يخرج في نهاية الأمر بنتائج علمية وإنسانية تقود إلى صورة أكثر وضوحاً عن مجتمع ما .
ما القضية التي تشغل بالك على الدوام؟
إن مايشغلني ويشغل بال الكثيرين ممن تنصب اهتماماتهم حول قضايا البحث العلمي هو تطوير قطاعات كبرى تنصب حول التراث والمعاصرة والترابط الذي يغلف كليهما، ومايندرج تحتهما من قضايا تمس الترميم والصيانة والحفاظ على الهوية،فحقيقة الأمر نحن نواجه خطر اضمحلال مكونات التراث القديم مادةً وفكراً وقيماً، ولذلك يجب مجابهة طغيان مد العصرنة بوسائل أكثر تطوراً تكفل لنا الحفاظ على هويتنا وتراثنا القديم لأنها ينبوع استقت منه مجتمعاتنا ومازالت ويجب الحفاظ على هذا النبع باستراتيجيات تكون أعمق طرحا وبوسائل تكون أجدى نفعاً . لأن طوفان العولمة لايبقي ولن يذر .
إلى أين تريد أن تصل، وما هي طموحاتك؟
مؤسسة بحث علمي قادرة على إثراء عامليها بالفكر والترابط .
ويؤكد المديلوي في حواره على أن عُمان قدمت نفسها منذ الفترات التاريخية المبكرة كشريك رئيس في منظومة المدنيات القديمة ورسخت نفسها حالياً كطرف فاعل ومؤثر خلال الفترات الإسلامية والحديثة، الأمر الذي دفع منظمة اليونسكو لإدراج عدد من المواقع العمانية على قائمة التراث العالمي، مثل موقع “بات” الأثري ومقابر العين وحصن بهلاء، وغيرها . وإلى نص الحوار . .
هل لك أن تعرفنا بشكل موجز بالأبحاث الذي نلتم عليها جائزة الآثاريين العرب؟
جائزة الآثاريين العرب هي جائزة تمنح سنوياً من قبل الاتحاد العام للآثاريين العرب في القاهرة، في فروع العمل الآثاري المختلفة، ولقد وفقني الله خلال هذا العام وفزت بها، عن مجمل بحوثي ودراساتي الآثارية والتاريخية المحكمة التي نشرت في المجلات المتخصصة، إضافة الى الدراسات والبحوث والأوراق العلمية التي شاركت بها في العديد من المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية الآثارية والتاريخية، والتي رأت فيها اللجنة العلمية تميزاً وجدة في الطرح، أيضاً تزامن تكريم القاهرة مع تكريم آخر لايقل أهمية عنه . بل أعده الأهم بالنسبة لمسيرتي العلمية،وهو الفوز بجائزة الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود للدراسات العليا في تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها لغير السعوديين . وهي جائزة سنوية تمنح من قبل هيئة كرسي الأمير سلمان بن عبد العزيز لدراسات الجزيرة العربية وحضارتها في جامعة الملك سعود . وجاء فوزي بهذه الجائزة عن دراستي للدكتوراه بعنوان: “تجارة مجان في العصور القديمة من 3000-1300 قبل الميلاد” وهي تتحدث عن تجارة مجان خلال فترات النهوض الحضاري لعمان وتأثير هذه التجارة على مجمل الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع العماني القديم، وهي دراسة تعتمد على الدليل العلمي الآثري في تبيان معالم هذه الحضارة والأثر الذي تركته في شتى المواقع الأثرية التي اكتشفت في عمان والإمارات وكانت شاهدة على المستوى الحضاري الذي وصل إليه هذا المجتمع العريق، الدراسة موثقة بالنصوص المسمارية التي استقيتها من أرشيفات بلاد مابين النهرين (العراق حديثاً) وهي شاهدة على مستويات رائعة من الحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية التي وصلت إليها هذه المجتمعات الخليجية، وامتداد تجارتها ومجمل علاقاتها الاقتصادية والحضارية مع مراكز الحضارة المجاورة القديمة، كدلمون وبلاد فارس وعيلام ووادي الأندوس وبلاد الأناضول وحضارة وادي النيل،حيث كشفت الدراسة في كثير من نتائجها عن مساهمة مجتمع مجان الحضاري في حقب التاريخ القديمة في رسم إطار التطور الحضاري للمنطقة،ووضع أبجديات العمل الاقتصادي أو التجاري في منطقة الشرق الأدنى القديم من خلال انخراطه في شبكة تجارية معقدة بدأت تتضح معالمها خلال بواكير الألف الثالث قبل الميلاد في هذه المنطقة .
ماذا عن أبحاثك الأخرى المنشورة؟
نشرت لي أبحاث في عدد من المجلات العلمية المحكمة لمواضيع مختلفة تدور في فلك تاريخ الخليج والجزيرة العربية القديم على وجه العموم والعماني على وجه الخصوص، فقد نشرت في العام 2005 في مجلة (أدوماتو) العلمية بحثاً بعنوان “الصلات الحضارية بين إقليم مجان والمراكز الحضارية المجاورة خلال الألفين الرابع والثالث قبل الميلاد”، وهي دراسة تتحدث عن العلاقات الحضارية التي ربطت بين إقليم عمان والمراكز الحضارية المجاورة كبلاد الرافدين ووادي الأندوس (الهند وباكستان) وعيلام(إيران) ومملكة دلمون البحرين ودور التجارة البينية التي ساهمت في تقارب هذه المجتمعات حضاريا، كما نشرت لي مجلة جمعية التاريخ والآثار الخليجية، بحثاً بعنوان: “بدايات التواصل الحضاري بين مراكز الخليج العربي الحضارية وبلاد الرافدين- العُبيد أنموذجاً” وهي دراسة آثارية وتاريخية تُوصل لتاريخ العلاقة الحضارية التي ربطت بين بلاد الرافدين ومراكز الخليج الحضارية، وتبحث في أصل هذه البدايات التي وجدنا أن جماعات من العُبيد (الاسم نسبة إلى موقع أثري) وصلت إلى سواحل الخليج منذ منتصف الألف الرابع قبل الميلاد قادمة من بلاد الرافدين تحمل معها ثقافة جديدة تمثلت في صناعة الفخار وبعض المنتجات الأخرى أدخلتها إلى مجتمعات الخليج العربي .
ولي بحث نشرته مجلة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في تونس، بعنوان: “التحصينات العمانية نظرة في الموروث الحضاري” وهي دراسة موسعة عن التحصينات العمانية من قلاع وحصون والتطور التاريخي لهذه التحصينات وأثرها في حياة المجتمع،إضافة إلى الأدوار العسكرية التي لعبتها في حماية المدن والقرى من الأخطار خلال فترات الحروب المختلفة، وهناك أيضا مجموعة من البحوث والدراسات المختلفة التي نشرت في بعض المجلات والصحف العربية والخليجية والمحلية .
ما المشروع الذي تعمل عليه حالياً؟
منذ صدور كتابي الأول بعنوان: “ثقافة جمدة نصر في إقليم عمان من 3200-2700 قبل الميلاد” سنة 2007م،لم يكن لي إصدار آخر باستثناء الدراسات العلمية المنشورة، وفي الفترة الأخيرة جمعت بعض الدراسات والمحاضرات والمقالات لتضمينها في كتاب واحد بعنوان: “دراسات في تاريخ عمان الحضاري”، وهي حالياً بمرحلة المراجعة النهائية قبل نشرها .
ما تقييمكم للبحث العلمي في السلطنة، هل يلقى الدعم المناسب وماذا يحتاج ليتطور؟
أولت سلطنة عمان اهتماماً كبيراًفي النهوض بمراكز البحث العلمي، لخدمة الباحثين وتنمية ثقافة التواصل لديهم للارتقاء بالبحث العلمي، الذي يعد ركيزة أساسية مهمة في تطوير المؤسسات التعليمية المختلفة، وتنمية مهارات الباحثين، وإثراء معارفهم، ومن ثم فإن وجود مراكز بحثية تعمل على دعم وتبني مشاريعهم البحثية يخلق باحثاً جيداً، ويساهم بدفع عجلة التنمية ويطور الخطط التنموية والإستراتيجية للدولة، كما أنه يخلق جيلاً مثقفاً واعياً بأهمية البحث العلمي لدفع عجلة التنمية المستدامة في السلطنة، وفتح مجال واسع للتواصل بين الباحثين في كافة المجالات . السلطنة وفرت الإمكانيات المادية والجهود التي تعزز البحث العلمي من خلال بناء وتوفيرالأجهزة والبرامج للبيئة البحثية الملائمة للباحثين لتنفيذ مشاريعهم البحثية، وأصبحت موجودة في شتى القطاعات المختلفة وإن كنا نرى أنها غير ظاهرة أحياناً وغير مفعلة أحياناً أخرى أو تحتاج إلى تطوير، ولذلك نقترح تفعيل دور المراكز البحثية بشكل أكبر والارتقاء بالبحث العلمي وتفعيل ثقافة التواصل بين الباحثين ومنظومات ثقافية عالمية .
هنالك عدد لابأس به من المتاحف في السلطنة هل تراها تكفي أم تحتاج للمزيد؟
تزخر السلطنة بالعديد من المتاحف التي تحكى لنا صفحات مشرقة من التاريخ والحضارة العمانية على مر العصور، ويوجد بها الكثيرمن المقتنيات الأثرية التي تمثل كافة أنواع النشاط البشري الاجتماعي والسياسي والعسكري والثقافي عبر مراحل مهمة من التاريخ العماني، إضافة الى معروضات من بيئة الإنسان العماني الأرض والبحر والحيوان والنبات، وقد تم تطوير المتاحف باستخدام الأجهزة الحديثة ووسائل العرض المتطورة، وتجدر الإشارة هنا إلى أننا احتفلنا منذ أيام بافتتاح المتحف الوطني الذي سخرت له إمكانيات كبيرة ليتواكب والتطور الذي يشهده قطاع المتاحف في العالم، ليكون باكورة متاحف عمانية ذات طابع شمولي تضم منجزات ومفاخر الإنسان العماني .
إلا أن كثيراً من المتاحف لايرقى إلى المؤمل منها، فهي تفتقد الخبرات والكوادر المؤهلة، ولذلك ينبغي إعادة النظر في تجديدها المناسبة حتى يتوفر الحافز لتكرار زيارتها بينالفترة والأخرى، مثل متحف الطفل الذي يحتاج إلى التطوير باستمرار ليواكب التطور السريع في الرؤى والمفاهيم والنظريات التي تخاطب الطفل،إضافة إلى التفكير في إنشاء متاحف أخرى متخصصة كمتاحف للزراعة والصناعة والتكنولوجيا والفلك وغيرها من القطاعات الحيوية التي يجب وضع تسلسل و تطور تاريخي وثقافي لها، وإعداد الكادر المتخصص والمؤهل علمياً للإشراف عليها، وأتمنى من القائمين على هذه القطاعات الأخذ بهذه الاقتراحات لتطوير قطاع المتاحف في السلطنة .
تاريخ السلطنة غارق في القدم و بعض المواقع فيها تم تسجيلها على قائمة اليونسكو للمواقع الأثرية، هل يدفعك ذلك لبذل المزيد من الجهد؟
لعمان تاريخ ضارب في القدم . فمنذ فجر التاريخ وعمان تحكي لنا فصولاً من التطور الحضاري للمجتمعات التي وطئت هذه الأرض الطيبة التي كانت موطئ قدم أولى الهجرات البشرية لإنسان إفريقيا الأول الذي مر بجنوب عمان و أسس البدايات الأولى للتجمعات السكانية في داخل عمان وعلى سواحلها وأنتج ثقافات متنوعة ساهمت في وضع الأطر العامة لتطور المجتمع .
لقد كانت فترات ماقبل التاريخ في عمان فترات خصبة من حيث وفرة الموارد الطبيعية وكثافة الإنتاج الذي نافس مجتمعات وشعوب أكثر تطوراً في المنطقة،كماأسست شبكات تجارية معقدة ساهمت بلاشك في التطور الحضاري لشعوب المنطقة، بفضل تميز موقعها وتوزع موانئها على بحار عدة،إضافة إلى توفرثرواتها من المواد الخام المهمة للصناعات المختلفة .
من هنا وجدنا كماً هائلاً من نصوص بلاد الرافدين التي تحدثت بإسهاب عن مجان وعن تجارتها وسفنها العظام التي كانت تتواصل مع بلاد الرافدين عبر تاريخ طويل، لقد قدمت عمان نفسها منذ تلك الفترات التاريخية المبكرة كشريك رئيس في منظومة المدنيات القديمة وصولاًإلى الفترات الإسلامية ومن ثم الفترات الحديثة التي رسخت فيها قدم عمان كطرف فاعل يؤثر ويتأثر بما حوله خلال مسيرة تاريخه الطويلة .
وتتويجاً للجهود الصادقة التي عملت ومازالت تعمل لإبراز مواقع عمان التاريخية والحضارية والطبيعية والثقافية، تم إدراج بعض المواقع العمانية في قائمة التراث العالمي، كموقع بات الأثري بالإضافة إلى مقابر وادي العين في ولاية عبري، وحصن بهلاء وواحتها، ومواقع وادي دوكة المشهورة بأشجار اللبان في المنطقة الجنوبية، ومحمية المها في المنطقة الوسطى، وغيرها من المواقع والمحميات الطبيعية والثقافية، وحقيقة الأمر أن جهود الحكومة واضحة للعيان لحماية هذه المحميات وتطويرها،إلا أن الأمر يحتاج إلى جهود بحثية أكثر وإجراء دراسات متخصصة للكثير من الشواهد الأثرية والحيوانات والنباتات النادرة لتواكب الحماية لهذه المواقع .
ما مهمة الباحث الأثري برأيك؟
الباحث الأثري مطالب أن يميط اللثام عن المواقع الأثرية ويزيل الإبهام الذي يكتنف الخرائب والصروح ويستنطق الشواهد والأدلة الأثرية المكتشفة، وهنا تكمن المعضلة فهذه الأعمال التي يجب أن يقوم بها الباحث الأثري تنطوي على الكثير من التعقيد والصعوبة لأنها تعتمد على علوم شتى لمختلف التخصصات العلمية منها والإنسانية، ولذلك فإن الباحث الأثري يجب أن يقود معه فريق علمي له تفرعات مختلفة، وآخر إنساني له تداخلات مختلفة للقيام بمهام الحفريات الأثرية، لكي يخرج في نهاية الأمر بنتائج علمية وإنسانية تقود إلى صورة أكثر وضوحاً عن مجتمع ما .
ما القضية التي تشغل بالك على الدوام؟
إن مايشغلني ويشغل بال الكثيرين ممن تنصب اهتماماتهم حول قضايا البحث العلمي هو تطوير قطاعات كبرى تنصب حول التراث والمعاصرة والترابط الذي يغلف كليهما، ومايندرج تحتهما من قضايا تمس الترميم والصيانة والحفاظ على الهوية،فحقيقة الأمر نحن نواجه خطر اضمحلال مكونات التراث القديم مادةً وفكراً وقيماً، ولذلك يجب مجابهة طغيان مد العصرنة بوسائل أكثر تطوراً تكفل لنا الحفاظ على هويتنا وتراثنا القديم لأنها ينبوع استقت منه مجتمعاتنا ومازالت ويجب الحفاظ على هذا النبع باستراتيجيات تكون أعمق طرحا وبوسائل تكون أجدى نفعاً . لأن طوفان العولمة لايبقي ولن يذر .
إلى أين تريد أن تصل، وما هي طموحاتك؟
مؤسسة بحث علمي قادرة على إثراء عامليها بالفكر والترابط .
– See more at: http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/5848b68e-78bd-45c4-9f4b-ae268834383e