شغب الذاكرة: عن الحال الذي لمّا يعتدل
سعاد العلوية – مختصر العملية التعليمية المدرسية الطبيعية، أسرة تمنح حق التعليم لأبنائها، وأبناء يقدرون هذه النعمة على الأقل بالذهاب يوميا إلى مدارسهم، ومؤسسة تعليمية مؤتمنة بكل ما فيها على من لبّى نداء التعليم برغبة أو بدونها. وإذ تعد المدرسة هي الصرح العلمي الذي من الطبيعي أن يقصده الطلاب مادون العشرين كأيسر طريق لتلقي التعليم بمختلف طرقه، فإننا نكون قد اطمأننا على أن أبناءنا أمام مؤسسة تصب جلّ اهتمامها وحرصها على أن يخرج الطالب منها في نهاية يومه الدراسي وقد تلقى ورده ونصابه من معلومات وعلوم حسب خطة دراسية تضعها إدارات المدارس ومعلموها.
قرابة العقد من عمري الآن بعد أن فارقت مقاعد الدراسة، وفي كل عام تقريبا أسمع عن أن هناك إحدى القاعات الدراسية في مدرسة ما لم تحظ بمعلمة لمادة معينة خلال أغلب أيام الفصل الدراسي. مما يعني بديهيا نقصان حلقة من حلقات سلسلة العملية التعليمية الطبيعية التي يخضع لها الطالب. فهي إما بسبب نقص في عدد معلمات المادة، أو بسبب إجازة وضع قد تليها أمومة، أو مرض أو ظرف أيا كان نوعه.
ولا خلاف على أن هناك ظروفا وأوضاعا تضطر المعلم للتخلف عن إكمال واجبه التعليمي – وهذا لا شك فيه -؛ لكن السؤال: أليس من واجب إدارات المدارس أن تعمل على سد الشاغر الذي قد يمتد إلى قرابة فصل دراسي كامل دون أن يحظى الطلاب بمعلم بديل! وإن تعذر ترحيل نصاب حصص المعلم وتوزيعها على زملائه، هل تعجز إدارات المدارس عن مخاطبة تعليميات المحافظات بالنقص الحاصل بين صفوف معلميها، أم أننا هنا سنحمل الطالب المسؤولية ونقول أنه أدرى بمصلحته وأن عليه أن يذاكر المادة وليس للمعلم البديل من ضرورة؟ وإن يكن، فسيتدارك الأمر الطالب المجتهد، الطالب الذي يمتلك القدرة على سد ثغرة غياب المعلم، الطالب الذي لديه من يعينه في المنزل على شرح الدروس، وليس الطالب ذو القدرات والفهم المحدود أو الذي لا يجيد التركيز دون وجود معلم يتلقى منه شرح الدروس.
ثم أين المتابعة من تعليميات المحافظات لمثل هذه الحالات والتي تظهر واضحة بعد استلام الطلاب لنتائج اختبارات نهاية الفصل، لنجد عددا ليس بقليل من الطلاب نالوا تقديرات متدنية في مواد قد لا تحتاج أكثر من جهد طبيعي يبذله معلم لإيصال معلومة، وإلى من يلجأ الطالب في حالة تعذر على إدارة المدرسة سد شاغر أحد معلميها.
ليس أمرا صحيّا أن يمر فصل دراسي كامل لم تتلق فيه طالبات شرحا سوى أسبوع فقط، ثمة سوء إدارة لمثل هذه الحالات، فهي قد تحدث في مواد دراسية دسمة يصعب على الطالب تغطيتها كاملة دون معلم يشرح تفاصيلها. وللتذكير فقط لا تزال هناك أسر كثيرة ليس لديها المال الفائض، وأخرى لا تؤمن بالحل الكامن في التعاقد مع معلمين خصوصيين ليقوموا بالدور الذي هو واجب على معلم المدرسة الذي تقلّد مهنة حساسة كان حتما عليه أن يقدرها بالعطاء المتفاني بدل جعلها وسيلة لجلب المال فقط. فمهما تعددت الأسباب في حدوث هكذا حالات، ليس على الطلاب بأنواعهم واختلاف قدراتهم التعليمية أن يدفعوا ثمن نقص في الكادر التدريسي أو تساهل في الواجب الوظيفي لدى البعض.