#الفنان #العُماني #الصوري الذي توجد تسجيلات صوتية غنائية له في المتحف الموسيقي #البريطاني #تاريخ_عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
أسهمت عوامل عديدة في تنوّع المكوّن الثقافي العماني بكافة محاوره كالموقع الجغرافي، وتفاعله مع الحضارات المختلفة، وتدفّق التبادل الفكري مع المراكز الحضارية المحيطة، ولعل الموسيقى العمانية أحد محاور ذلك المكون الثقافي التي كان له ظهورٌ واضحٌ وبارز منذ أن قامت الأساطيل العمانية تجوب موانئ العالم المختلفة حاملةً معها رسائل ثقافية وحضارية عديدة، وذكرت لنا كتب الرحالة والمؤرخين نماذج لموسيقى وأغانٍ وكلماتٍ كان يترنم بها بحّارة تلك السفن في رحلات ذهابهم وعودتهم.
وامتدادًا لذلك الموروث، ونتيجة للبيئة الثقافية الخصبة فقد شهد القرن العشرون ظهور روّاد للأغنية العمانية حملوا على عاتقهم وضع أساسها، وتطويرها، وإظهارها للملأ، كل ذلك كان في ظل ظروفٍ صعبةٍ أجبرت بعضًا منهم على الانطلاق من خارج قواعدهم المحلية، فكان العديد من حكايات الشغف والتحدي حتى الوصول لمرحلة النجاح لهؤلاء الفنانين، ومن بين هؤلاء الروّاد: شهاب أحمد، وحمدان بن عبدالله البريكي المعروف بحمدان الوطني، ومحمد بن سلطان المقيمي، ومحمد بن سالم المطلعي، وسالم بن راشد الصوري، وعمر جبران، ومحمد حبريش، وموزة خميس، وعلي الخابوري، ومحمد المسقطي وغيرهم من الأسماء العديدة التي أثرت الساحة الفنيّة العمانيّة في تلك الفترة.
“أثير” تقترب في هذا التقرير من أحد هؤلاء الروّاد، هو الفنّان الذي تتلمذ على يديه عدد من مشاهير الأغنية الخليجيّة فيما بعد، وصاحب الأغنية الشهيرة “سلام يا حمام” التي نالت شهرةً كبيرة، واقتبس لحنها عددٌ من الفنانين من داخل السلطنة وخارجها، وهو الفنان الكبير حمد بن حليس السناني عميد أسرةٍ فنية أنجبت عددًا من الفنانين والباحثين في الفلكلور العماني كالفنّان المعروف عوض بن حمد، والباحث سالم بن حمد وغيرهم.
البيئة وعوامل الظهور
بدأت تفاصيل قصة هذا الفنّان الشامل من مسقط رأسه ومرتع صباه في “سنيسلة” بولاية صور، المدينة التي شهدت كثيرًا من حكايات السندباد، وكانت مسرحا لعديد من القصص والحكايات التي تحكي عن الرجل الشرقي وعلاقته بالبحر، ومغامراته مع أهواله ومخاطره، والمدينة التي كانت تتداخل فيها أصوات النوارس مع رنين مطارق “وساتيد” الخشب، وصوت تراتيل الفتية في حلقات القرآن، ونغمات غناء النهّامة والمرددين فوق السفن الخشبيّة المستعدة كي تمخر عباب البحر بعيدًا نحو موانئ العالم في رحلةٍ مع المجهول مكوّنةً سيمفونيةً رائعة ومزيجًا ساحرا كان كافيا كي يستثير عشق الترحال، ويوقد جذوة الإبداع لدى فنّانيها، وهي حكايةٌ تكاد لا تختلف عن مثيلاتها المتعلقة بفنانين آخرين أنجبتهم هذه الولاية العريقة بفنونها المختلفة كالصوري، والمقيمي، وغيرهم.
هو حمد بن حليس بن عبدالله السناني، فنان عماني قدير، وهو من أوائل الروّاد الذين قامت علي أيديهم صناعة الفن والموسيقى في عمان في القرن العشرين، وممّن كانوا مدارس خرج من تحت أيديهم عددٌ من الفنانين الذي أصابوا نصيبا كبيرا من الشهرة فيما بعد.
الميلاد
وُلد السناني في حارة سنيسلة بولاية صور، وقد اختلف في تاريخ مولده؛فالباحث مسلم بن أحمد الكثيري في دراسته “جذور غناء العوادين العُمانيين وتطوره” يرى أنه من مواليد 1891، بينما يذهب حمود الغيلاني في كتابه “ولاية صور” إلى أنه من مواليد عام 1895 م، ويشير عدد من المواقع في شبكة المعلومات العالمية إلى أن مولده كان في عام 1900 م.
محطات في حياة الفنان
اعتمد الفنان حمد حليس على نفسه في تعلّم العزف على العود وضبط الإيقاعات حتى اشتهر بذلك وتميّز، وتتلمذ على يديه عدد من المطربين المعروفين أمثال المطرب الكبير سالم راشد الصوري الذي قال في حوار له مسجل بالإذاعة العُمانية ” إنه تعلم العزف على يد الفنان الصوري حمد حليس”، والمطرب حمد بن راشد الصوري “ود قاش”، وولده المطرب المعروف عوض بن حمد حليس.
زار الفنان حمد بن حليس عددًا من الدول خلال مسيرته الفنية الطويلة، فذهب إلى زنجبار والكويت، وزار الهند، كما اطّلع على عددٍ من الفنون التي كانت تمارس في بيئته المحلية بصور وما حولها كالرزحة والميدان والشرح وغيرها، فاستفاد من إيقاعاتها، واستلهم من كلماتها، كما تمكن بحكم نشأته في بيئةٍ بحريةٍ صرفة كصور، وبحكم اقترابه من حركة الأسفار والتواصل الثقافي بين موانئ الخليج من تأدية فن “الصوت” الذي برع فيه فنانو الكويت والبحرين.
كما كانت البحرين إحدى محطات الفنّان؛ حيث التقى هناك بصديقه وتلميذه وابن مدينته الفنان سالم الصوري، وسجل معه في شركته ” سالم فون” عددا من أغانيه من بينها ” بو عويّض يقول”، و”أبو عوض قال افهم يا فهيم”، و”قال الفتى بو محمد”، و”بن زامل”، وفي عام 1967 سجل الفنان حمد حليس أول أغنية له مع الفنان الكويتي القدير عبدالله فضالة على آلة الكمان، وهي أغنية “يا غصن ريان”.
ويعد الفنان حمد السناني أول مطرب يسجل في استوديوهات الكويت عند افتتاحها مع إبراهيم الماس وسجل أيضا في استوديوهات (سالم فون وجرجافون)، كما يُعدّ أحد الذين يحتفظ المتحف الموسيقي البريطاني بتسجيلات صوتية غنائية لهم .
من أعماله
قدّم الفنان حمد بن حليس السناني العديد من الأعمال الفنيّة التي لا تزال تتذكرها كثير من الآذان المهتمة بالموسيقى العمانية، والتي أعاد تسجيل بعضها وتطويرها الفنان الكبير عوض بن حمد بن حليس ابن الفنّان الراحل، وعدد آخر من المطربين الشباب، ومن بين هذه الأعمال: “إفهم يا فهيم” و”الفتى ابو أحمد” و” يا غصن ريان”، و” بو عويّض يقول”، و”قال الفتى بن محمد”، وغيرها من الأغاني التي لا تزال باقية على الرغم من مرور سنوات طويلة على تأديتها.
تكريم مستحق
تم تكريم الفنان الراحل حمد حليس السناني في النسخة الحادية عشرة من مهرجان الأغنية العمانية عام 2015م ضمن عددٍ من رواد الأغنية العمانية وذلك لما قدّموه خلال مشوارهم الفني وعلى ما أسهموا به في مجال الأغنية العمانية.
وفاته
توفي حمد بن حليس سنة1986 بحسب اتفاق الدراسات القليلة التي اقتربت من سيرته متجاوزًا الخامسة والثمانين من العمر، وبرغم أنه من جيل الروّاد الأوائل في مسيرة الأغنية العمانية، وبرغم البصمات المهمة التي وضعها هذا الفنّان إلا أن الدراسات التي تناولت حياته قليلة ولا تكاد تذكر، والمعلومات لا تتجاوز أسطرا بعدد أصابع اليد، كما أن التكريم الذي ناله هذا الفنان- إذا ما استثنينا احتفاء مهرجان الأغنية العمانية عام 2015- يكاد يكون معدومًا، وهي دعوة صادقة لتسليط الضوء على سيرة هذا الفنان الكبير وغيره ممن أثروا الساحة الفنية العمانية ونهضوا بها في فترةٍ استثنائيةٍ صعبة.
المراجع
1- الغيلاني، حمود بن حمد. ولاية صور، بدون دار نشر، 2009.
2- الكثيري، مسلم. جذور غناء العوادين العُمانيين وتطوره، موقع مجلة نزوى الإلكتروني، 1أبريل,2012.
3- موقع أثير الإلكتروني، ندوة الأغنية العمانية في حقبة الستينيات تستعيد ذكريات رواد الأغنية العمانية، الثلاثاء , 9 يونيو 2015
· الصور من أرشيف الباحث سالم بن حمد السناني (ابن الفنّان)، وشبكة المعلومات العالمية.