مراسي

خير من شر “شاهين”

د. خالد بن حمد الغيلاني

إنَّ كل أمر بقضاء الله جلَّ وعلا، والمؤمن بين هذا وذاك، وبين خير وشر، وسراء وضراء، إنما هو برحمة الله تعالى ولطفه يسير في هذه الحياة الدنيا، وهو جلَّ جلاله اللطيف بعباده، الرحيم بهم، ونحن بين لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وبين إنا لله وإنا إليه راجعون، مؤمنون بقضائه، مُستمسكون بمتين عطائه، وفضله على عباده، والحمد لله حمد الصابرين الشاكرين على ما مرّ على بلادنا الغالية وأهلنا من هذا العابر. ومن خلال مقالتي لهذا الأسبوع استعرض دروسا مستفادة من هذه الحالة المدارية الاستثنائية والتي تدخل بحر عمان في حادثة لم نألفها في عصرنا الحديث؛ وهي دروس كثيرة لعلي أدرك أهمها:

الدرس الأول: أننا جميعا في موطن رفيع ومنزلة عالية ومكانة مرموقة عند مولانا السلطان، وأن أبناء عمان في محل القلب، وأنهم شعب كريم، عند سلطان كريم، فهم موضع اهتمامه السامي، وقد تجلّى ذلك واضحا في توجيهاته السديدة بأن يكون حفظ الناس وسلامتهم أولوية قصوى، ثم سريعاً جاءت التوجيهات بتشكيل لجنة وزارية للوقوف على الواقع والأضرار، وسرعة العمل على تجاوز الأولويات القصوى منها خاصة ما يتعلق بسلامة الناس وصحتهم وأمنهم الغذائي وحرمات بيوتهم وأماكن سكنهم، وعملت اللجنة من فورها، وكلنا ثقة في القيام بواجبها كما أراده مولانا السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه.

الدرس الثاني: عُمان هذا الوطن الجميل الرائع، ليس رقعة جغرافية بقدر ما هو كيان حيوي ديناميكي تربط بين أهله حبال متينة قوية من مشاعر الحب والإخلاص والتضحية والفداء، ولو جبت العالم شرقه وغربه لن تجد هكذا مجتمعا يثب وثبة الواثق، ويفزع لأخيه العماني فزعة أبناء أب وأم واحدة، فما إن يشتكي عضو عُماني حتى تتداعى له كل الأعضاء، ووالله الذي لا إله إلا هو فإنَّ هذه الحوادث رغم شراستها وحدتها وخطرها تبعث في النفس سرورًا تعضده اللُحمة الوطنية، وسعادة توطدها الفزعات العمانية، وإيمانا بأننا جسد وروح لا انفصام لهما ولا مجال للحد من قوة لحمة أبناء هذا الوطن، جاءوا من كل حدب وصوب تلبية للباطنة العزيزة الغالية، كما لبّى الجميع ظفار العزة والشموخ، وصور التاريخ والحضارة، وجعلان الأنفة والإباء، ومسقط الكرامة والكبرياء، ونحن على ذلك باقون مستمرون.

الدرس الثالث: جنودُنا البواسل رجال القوات المسلحة درع الوطن وحماته، ورجال الأمن المرابطون على حماية المكتسبات، وصون الحرمات، وإنفاذ القانون، لله دركم ودر أفعالكم، ما إن يأتي نداء الواجب، وما إن تلوح سحابة في الأفق إلا انبريتم جمعا وفرادى، وتصدرتم راجلين وركبانا، فعمان من دعت، وأنتم من لبى، والهدف حماية الأرواح وصون الأنفس، كنتم وأظهرتم أنكم أهل الفداء وأن العماني والمقيم في تقديم الواجب سواء بسواء، وإنما هي أرواح تستحق الحفظ، وأنفس تتطلب البذل والعطاء. ولا خوف على عمان وفيها قوات مسلحة وشرطة سلطانية ودفاع مدني وأجهزة عسكرية وأمنية مختلفة، فدمتم حماة أباة ميامين.

الدرس الرابع: صدق من قال “خليجنا واحد وشعبنا واحد”، ومهما يكن فنحن لهم عون وسند، وهم لنا خير أخ وعضد، وهذه شيمة عربية، وخلق إسلامي، وعادة متوارثة، وإنما هي دين مقضي بين الناس، وكم أثلج صدرونا، ذلك التواصل رفيع المستوى بين مولانا السلطان وقادة دول الخليج والقادة العرب، وهذه سبيل لزيادة الروابط والوشائج، وعُمان بسلطانها وشعبها ماضية متعافية، ويبقى الأشقاء إخوة كرام ليوم شديد، وخطب كبير.

الدرس الخامس: لجان الوطن المختلفة وقطاعات الإغاثة والمساندة حكومية وأهلية، والمعنية بالخدمات المختلفة جهودكم مقدرة ومشكورة وفي كل مناسبة وطارئ تثبتون أنكم قادرون على التعامل مع أقسى الظروف وأشد الحوادث، ولديكم من الخبرات والقدرات وقراءة الأحداث ما يمكّنكم من النجاح في مدد قصيرة وبكفاءة عالية، وهذا منبعه حبكم لعملكم ووطنكم، وحرصكم على نجاحكم، وخوفكم على أبناء الوطن الذين ينتظرون حل الكثير من الإشكاليات في وقت قصير، وهو هدفكم مع صعوبة التضاريس ووعورة بعض الأماكن وخطورة التعامل مع بعض المواقف فلكم كل الثناء والتقدير.

الدرس السادس: رجال الأرصاد الجوية، جنود الدقة المتناهية، والاطمئنان المنشود، في كل اختبار تثبتون نجاحا، ودرجة عالية من دقة التحاليل والقراءات رغم الإمكانات القليلة المتوفرة، ولكن حسكم الوطني، ودافعكم الإنساني، وخوفكم على أبناء عُمان، جعلكم تتفوقون على كل صعب وعسير، وتجعلوننا دوماً في قلب الحقيقة ومسار العوارض المدارية، تصلون الليل بالنهار دون كلل ولا ملل، ابتسامة دائمة، وإيمان راسخ، وبشاشة تخفف عبء الحدث، وكرب الحالات المدارية، دمتم محفوظين بعناية الرحمن الرحيم.

الدرس السابع: إلى رجال الحقيقة والكلمة الصادقة، رجال الإعلام المنتشرين في كل مكان، هم في قلب الحدث دومًا، يمثلون صمامًا من صمامات الأمان، وملاذًا لمن تقطعت بهم السبل، ينقلون لنا حقائق الأمر دون تهويل ولا تزييف، ليلهم ونهارهم واحد، يثبتون دوما أنهم جديرون بعملهم الإعلامي، وأن أخلاق المهنة ومتطلبات العمل مرتكز أساسي، دمتم أيها الإعلاميون على مختلف تخصصاتكم وأعمالكم فخرا لنا وللإعلام القائم على الحقيقة منهجا وسلوكا.

الدرس الثامن: طلب ورجاء لمن يهمه الأمر، فخلال العشر سنوات الماضية ومع كثرة هذه الحالات المدارية وتعددها وتنوع مساراتها وتأثر كل أرجاء الوطن الغالي بها، وضررها على البنية التحتية، وعلى ممتلكات الناس الخاصة، وكم المبالغ المصروفة على إعادة بناء وتعمير ما تخلفه في كل مرة، والخلل الواضح في تخطيط بعض الأماكن، وعدم وضع مجاري ومسارات الأودية وفيضانها في حساب هؤلاء المخططين للأراضي بمختلف استخداماتها، ومن باب الواجب الوطني؛ فإني أدعو برجاء كبير إلى ضرورة تشكيل لجنة وطنية مختصة تعمل على إعادة هيكلة المناطق التي تمر بها الأودية سواء في المخططات القائمة أو المستحدثة، مع ضرورة أن يكون أحد مرتكزات عمل اللجنة بيوت الخبرة العمانية من كبار السن الذين يعلمون مسار الأودية ومجاريها وشعابها المختلفة، وهذا الأمر رغم مشقته إلا أنه سيحفظ الناس والأرواح والممتلكات، كما أنه سيقلل من الخسائر والمصاريف وهو يتطلب السرعة في العمل به.

اللهم رحمتك الواسعة بمن قضى نحبه في هذه الحالة المدارية، وحفظك يا الله لعمان قاطبة أرضا وسلطانا وشعبا، ولا تري عبادك مكروها في عزيز لديهم.

عن جريدة الرؤية https://alroya.om/p/289509

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى