مراسي

ماذا تعرف عن الحراك العلمي والثقافي في ولاية صور قديمًا؟

نقلا أثير- تاريخ عمان 

إعداد: د. محمد بن حمد العريمي

تستعرض “أثير” في هذا التقرير ملخص إحدى أوراق العمل التي تناولت الحراك العلمي والثقافي في ولاية صور خلال القرنين 19 و20م، وهي الورقة التي قدّمها الباحث الشيخ حمود بن حمد الغيلاني مؤخرًا ضمن أوراق (ندوة محافظة جنوب الشرقية في ذاكرة التاريخ العماني) التي استضافتها ولاية صور خلال الفترة من 23-25 مايو بتنظيم من هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية.

محاور الورقة

تكونت ورقة الباحث الشيخ حمود بن حمد الغيلاني من عدة محاور، حيث بدأ بمقدمة تاريخية عن مدينة صور تناول فيها أهمية الموقع الجغرافي للمدينة وأثره على النشاط الحضاري بمختلف أشكاله السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، ثم تناول النشاط العلمي والثقافي في مدينة صور بشكلٍ عام، حيث عرفت مدينة صور بحسب ما يذكر، نشاطًا علميًا وثقافيًا عبر مسارها التاريخي من التأليف والتوثيق والتجريب والتطبيق في مجال العلوم التطبيقية، تميزت به عن قريناتها من المدن العُمانية بحراك أكثر شمولية وبخاصة في مجال العلوم التطبيقية، فقد انتشرت مدارس الكتاتيب من الرجال والنساء، التي كانت تقوم بتدريس القرآن الكريم، والعلوم الدينية، واللغة العربية، ومبادئ الرياضيات، كالعمليات الحسابية الأربعة، التي كان يحتاج إليها أبناء المدينة، خصوصًا أولئك الذين يرغبون في مزاولة مهنة قيادة السفن (التنوخذة)، إضافة إلى أبناء التجار، فقد بلغ عدد تلك المدارس حتى نهائيات النصف الأول من القرن العشرين، ما يربو على عشرين مدرسة، يمارس فيها الرجال والنساء عملية التعليم. كما أن الرغبة كبيرة لمشايخ المدينة وأعيانها في التعليم، فقد تعاقدوا مع عدد من العلماء من حضرموت، الذين سريعا ما اندمجوا في المجتمع، وأحبوا الاستقرار فيه؛ نتيجة لتقدير الأهالي للعلم ولهم، ولحالة الرخاء الاقتصادي الذين تعيشه المدينة، نظرا لوجود أسطول بحري كبير، كان يمارس التجارة مع شرق وجنوب آسيا، وشرقي أفريقيا.

كما أشار الباحث الغيلاني إلى عدد من المدارس والكتاتيب التي كان يقوم فيها المعلمون والمعلمات بتدريس القرآن الكريم، وعلوم الدين، واللغة العربية، ومبادئ الرياضيات، ومن هؤلاء: المعلم حمد بن عبد الله بن صابر الرزيقي، والمعلم راشد بن عبد الله بن راشد آل فنة العريمي، والمعلم علوي بن أحمد الغزالي، والمعلم عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي الرشيدي اليافعي، والمعلم عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الهوتي، وغيرهم.

كما لم ينس الباحث أن يشير إلى الدور المهم الذي لعبته المرأة الصورية في مجال التعليم، حيث مارسن التعليم في مدارس خاصة حملت أسماءهن، وعرض للكثير من هذه الأسماء.

وتناول الباحث الشيخ حمود الغيلاني الدور الذي قام به عدد من ربابنة السفن في توثيق علومهم البحرية في مؤلفات غنية وثرية بعلومها، وهي التي تعرف باسم الرحمانيات، ومن بينها كتاب “معدن الأسرار في علم البحار”، وكتاب: “تنبيه الغافل في معرفة علم البحر وقواعده”، وكتاب: “الجوهر اللطيف في علم البحر المنيف”، وكتاب: “الميل البحري لكل ربان بحري”، وكتاب: “جداول في علم البحار”، ومخطوطة “نبهت الغافل”، و”الجامع اللطيف في علم البحر”، بالإضافة إلى عدد من الروزنامات الخاصة بمجموعة من النواخذة المعروفين.

المجالات التي تناولها أبناء ولاية صور واهتماماتهم العلمية والثقافية

التعليم:

يذكر الباحث الشيخ حمود بن حمد الغيلاني أن ولاية صور عرفت التعليم أسوة ببقية ولايات السلطنة، وإن كان التعليم الحرفي في مجال تعلّم صناعة السفن والخناجر عن طريق الممارسة العملية غلب على التعليم المعرفي، إلا أن تعلّم أهل صور لأصول دينهم، وبخاصة القرآن الكريم، أخذ جانبا كبيرا من الاهتمام، فانتشرت مدارس تعليم القرآن حفظا وتلاوة وتفسيرًا، إلى جانب تعلم مادتي اللغة العربية، مع التركيز بصفة خاصة على القراءة إلى جانب بعض مفاهيم النحو. كما أنّ تعليم مادة الحساب كان أمرًا أساسيًا لأبناء صور؛ وذلك لعدة أسباب من وجهة نظره، منها: أن أهل صور كانوا أهل ملاحة بحرية، وتعليم أبنائهم لمبادئ الحساب أمرٌ ضروريٌ ، فتعلم أسرار قيادة السفن لابد له من معرفة النجوم، ومواقعها، وقياساتها، إضافة إلى خطوط الطول والعرض، وقياس الأبعاد والمسافات، وأعماق البحار، وسرعة سير السفينة.

كما عرف أهل صور التجارة، وعلم الحساب مهم جدا للتاجر، ومن هنا انتشرت مدارس تعليم القرآن الكريم، واللغة العربية، والرياضيات، بمفهومها القديم “الحساب”، وكانت هذه المدارس يقوم عليها عدد من المعلمين والمعلمات الأكفاء والمتميزين، كما تجب الإشارة إلى أن التعليم لم يقتصر في تلك الفترة البعيدة على الأولاد من الذكور، بل شمل البنات أيضا. 

ويشير الباحث الغيلاني إلى أنه في نهاية النصف الأول تقريبا من القرن العشرين الميلادي، ظهرت مدارس أكثر تنظيما، من حيث المباني أو المناهج التي تدرس أو المعلمون، فكانت مدرسة “دار الفلاح” والتي عرفت باسم مدرسة (الغزالي)، نسبة إلى المعلم والأستاذ في تلك الفترة السيد عبد الله الغزالي، والذي ينتسب إلى عائلة الغزالي الصورية.


العلوم الدينية:

كما أشار الباحث إلى انتشار العلوم الدينية كالقرآن الكريم، العبادات، وعلوم اللغة العربية، والعلوم التطبيقية، وعرض لنماذج من الشخصيات العلمية التي برزت في كل مجالٍ من تلك المجالات ومنهم: راشد بن عبد الله الفارسي، بخيت بن سليمان المقيمي، خميس بن سعيد بن مانع الإسماعيلي، سعيد بن مبارك بن جويد، أبو عبد الله محمد القلهاتي، خادم بن رجب بن راشد القلهاتي، خميس بن سالم بن حمد بن داود الصوري، مهنا بن محمد بن أحمد الإسماعيلي، وغيرهم.

المحور الثاني: الجهود العلمية، والأنشطة الثقافية والأدبية، ونماذج من الإنتاج العلمي والثقافي لأبناء ولاية صور.

تناول الباحث الشيخ حمود بن حمد الغيلاني أبرز الجهود العلمية في المجالات الملاحية والأدبية بولاية صور بشكلٍ عام، حيث أشار إلى عدد من النماذج في المجال الثقافي والأدبي، ومنهم الشعراء: محمد بن جمعة الغيلاني، راشد بن مسلم الصوري، راشد بن مبارك بن حمد الرزيقي، سعيد بن عبد الله ود وزير الفارسي، 

كما عرض لجانب من جهود أبناء ولاية صور في التأليف في مجال العلوم التطبيقية والتجريبية، وبرز ذلك بشكل واضح وجلي في علوم البحار، من مرشدات بحرية (الرحمانيات)، أو المذكرات اليومية (الرزنامات)، وجوانب من اهتمامهم بعلم الفلك؛ لحاجتهم إليه في التطبيقيات البحرية في عمليات الإبحار، واهتمامهم كذلك بعلم الرياضيات، حيث استنبطوا من خلال ذلك ما يزيد على 44  قاعدة بحرية، أصبحت منهاجا لجميع نواخذة السفن في عمان وغيرها من البلدان المجاورة، إضافة إلى استنباط نحو 15 خمس عشرة قاعدة متعلقة بالعمليات المالية، وتحويل العملات.

الفنون الغنائية:

تناولت الورقة البحثية جانب الفنون الغنائية، حيث تعد ولاية صور مركز الفنون التقليدية العمانية المغناة، فلا يكاد فنّ عماني لا يعرف فيها ويمارس، بل هناك من الفنون الغنائية العمانية التي تتوفر بالولاية قد لا تتوفر بولايات أخرى بالسلطنة، وكما كان هناك كم غني للفنون المغناة بولاية صور، هناك كم كيفيّ، يتمثل في تنوع هذه الفنون، ونوعية الممارسين، ونوعية مجال الممارسة لهذه الفنون.

ومن أشهر هؤلاء الفنانين في مجال الغناء: سالم بن راشد بن علي الصوري، وحمد بن حليس السناني، وحمد بن راشد الصوري ( ود قاش)، وعبد الله بن سالم بن خميس الحتروشي العريمي، وعبد الله بن مبارك بن سعيد المرزوقي، وعبد الله بن محمد بن مبارك الصفراوي المخيني، وعوض بن حمد بن حليس السناني، ومبارك بن محمد بن راشد الفارسي، ومحمد بن سلطان المقيمي.

المرجع

  • الغيلاني، حمود بن حمد. الحراك العلمي والثقافي في ولاية صور في القرنين 19،20، ورقة عمل مقدمة إلى ندوة محافظة جنوب الشرقية في ذاكرة التاريخ العماني، سلطنة عمان، ولاية صور، مايو2023 م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى