“إلى أين أيتها الشامخة تمتشقين هامة المكان”
حمود بن سالم السيابي
————————————————-
كالدشداشة الصورية يتباهى بارتدائها النواخذة ساعة يطأون رمل الشوق بعد سفر.
كطرف المصر الصوري المجنح جهة القلب فتكتسي التمصورة النبل.
كرائحة “الرفاع” العابر لسكة البوش ومعه قوارير العطر والأثواب “الكوجراتية” وشالات المواسم.
كأنين صابرة تشكو البحر الذي غدر بوليدها الذي لم يعد وهي مكانها تحصي الموج لعله يقذف بمصرِّه الوردي.
تلك هي “نوستالجية” مريم الحتروشي التي عادت إلى سحارة النوخذة لتغسل بأدمعها صدأ السنين.
ورغم أن الأستاذة مريم الحتروشي عنونت بوحها ب “نوستالجيا صورية” إلا أنه “نوستالجيا” لعمان من أول عشبة تشرب الفجر لآخر رملة تسطع بفتيت المحار.
وفي حنين مريم الصادر عن “دار لبان” صبا الصائمين في رمضان ينتظرون الأذان ليتصايحوا بفرح “وأذووون” فتعبق رائحة المغرب واحتراق البن وتهجد الدلال والفناجين.
وفي حنينها “طشة المطر” ومرح حنَّاء الأرجل الحافية بطين الدروب.
وفي “نوستالجيا صورية” تدعو مريم متصفحي حنينها لدار عمها مسعود ببابه الذي يزهر فرحة وأغاني وحلوى.
ويشاركون مريم سويعاتها المقمرة في الاستماع لحديث جدتها عن الطيور المهاجرة التي ستعود فتتصاعد معها الأمنيات بين آخر رفيف يلوح مودعا وأول منقار يصل مع تباشير القيظ ليفلي جدائل النخل من الحشرات التي تسرح في سعفها الغض.
وفي بوح مريم تتأرجح الحروف وهي في “مريحانتها” تبعثر ظلال الشجر.
ونطالع في أفانين حديقة مربم تلك الورقاء النازفة بالهديل الأخير.
ونقترب معها من أسراب طيور اللقلق وهي تؤدي رقصات الباليه في القصور المنيفة
وننصت مع العفية الحالمة لتعويبة جبال جَرَحَها الشوق.
إلى أين أيتها الشامخة تمتشقين هامة المكان ؟ صرخة متسائلة لمريم ، بل صرختنا لمريم وهي تمتشق دقل شراع صوري لتبحر في لجج سحر الأبجدية.
ونبقى في اليابسة لنتأمل غلاف “النوستالجيا الصورية” لجسر البطح وهو يتمطى في صباحات العفية ، بينما الأشرعة البيضاء تحته ترجرج زبد البحر وتخاتل النوارس على سردين يتشاقى مع الشباك التي تتماهى وزرقة الماء.
وكما استهلَّتْ مريم كتابها بإهداء حنينها إلى أصداء الأصوات العالقة في الذاكرة ، فإن هلوسة التطواف في شطآن كلماتها التي ليست كالكلمات هي للتأكيد على أن “نوستالجيا صورية” سيبقى أجمل ما يعلق في الذاكرة من بوح وجرح وحنين.
وتبقى الكاتبة مريم الحتروشي تعويبة جميلة للعفية ستحتاجها في قادم الأيام لحراكها المقاوم للتلوث السمعي.
———————————
مسقط في ١٥ ديسمبر ٢٠٢٠م