ولاية صور تتذكر زيارتين لجلالة السلطان
بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني الخامس والأربعين المجيد –
سرد: سُعاد بنت فايز العلوية –
بحلول يوم العيد الوطني الـ 45 المجيد نستلُّ من خبايا الذاكرة صفحات بيضاء شهدت على أمجادنا وولائنا وتراثنا الثمين، وليس ثمة أفصح من ذاكرة المكان تغازلنا بشريط من الذكريات التي شهدناها والتي استقيناها ممن سبقونا على هذه الأرض الطيبة.
مدينة صُور مدينة الفينيق تنهل من عطايا النهضة ومنجزاتها ولا تزال تحتفظ بنسمات مرور الموكب السامي عليها في زيارتين سطرتا معاني الولاء والانتماء لهذا الوطن في عامي 1993 و1996م.
عيد الفطر (1413-1993)
عاش أبناء ولاية صور في مثل هذه الأيام المباركة من أواخر رمضان 1413هـ يعدُّون العدة لاستقبال جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- حيث تقرر أن يؤدي صلاة الفطر لذاك العام في مصلى العيد بولاية صور والذي صادف يوم 25 من شهر مارس لعام 1993م.
كان لهذه الزيارة الأثر البالغ في نفوس أبناء الولاية وولايات محافظة جنوب الشرقية ككل، وكان ذلك الحدث فرصة يرنو إليها الأهالي للتعبير عما يجول في خواطرهم من أمنيات وآمال تحققت وتتحقق؛ لذا احتفلت الولاية من خلال إبراز ما لديها من فنون سواء أكانت فنون المناسبات أو الفنون البحرية التي اشتهرت بها الولاية.
وعملت اللجان المشرفة على تنظيم ذاك الاحتفال على إبراز مختلف أنواع الفنون على نحو يتيح لأجيال الحاضر والإطلاع على الماضي المجيد لهذه الولاية.
وقد قسم الاحتفال على فترتين صباحية ومسائية وشارك في المهرجان الشعبي في حي مخا أكثر من 14 فرقة بالإضافة إلى المهرجان البحري الذي شاركت فيه العديد من السفن عبر خور البطح. ثم مهرجان سيح الحسنات الذي أقيم على مشارق المخيم السلطاني ومما أبرز هذه الاحتفالات حسن التنظيم والتزام المشاركين بالتقاليد الأصيلة كالأزياء التقليدية وفنون الموروث الغنائي القديم وتنوعها واستمرت لأكثر من أسبوع.
أما الفنون فتمثلت في فن الرزحة الذي شاركت فيه عدة فرق من أنحاء الولاية بما فيها نيابة طيوي ورأس الحد إضافة إلى الفنون المشتركة من الرجال والنساء مثل فن الميدان وأبو الزّلف الذي تشتهر به ولاية صور وفن المكوارة. بالإضافة إلى فن الطنبورة القديم ثم فنون السفن بمختلف أشكالها وفنون الخيالة والإبل.
واشتمل الاحتفال أيضا على تدشين السفينة السلطانية والتي صنعها نجّارو الولاية القدامى وأنزلت إلى البحر في احتفال جماهيري بهيج.
واستغرقت هذه السفينة ثلاثة أشهر وشارك في إنجازها أكثر من 20 نجارا، ومما ساهم في إنجاز هذه الفعاليات الحرص والمتابعة من مشايخ وأعيان الولاية ولجان الاحتفالات التي تولت متابعة تنفيذ كل مفردات هذا الحفل.
روح الوطنية في 1996
تمثلت الزيارة الثانية لجلالة السلطان المعظم لولاية صور في العام 1996 إثر احتضان الولاية للعيد الوطني السادس والعشرين، حيث كان ذاك اليوم شاهدا على الاهتمام الكبير الذي يوليه جلالته تجاه أبناء شعبه الكريم وهي فرصة أتاحت لأبناء ولاية صور التعبير عن فرحتهم باستقبال الموكب السامي الذي شرفت به صور آن ذاك.
وكانت هذه الالتفاتة الكريمة من لدن جلالته وساما للولاية لدورها البارز في الحضارة العمانية عبر تاريخها البحري المجيد الذي ساد فيه أبناء الولاية بحار الشرق من خلال أسطولهم الذي كان يتكون من أكثر من 300 سفينة؛ لذا برزت في احتفاليتهم ملامح البحر في كلمات وقصائد وإيقاعات تنوعت على مختلف فقرات الاحتفال. وبرز ذلك جليا من خلال النطق السامي لجلالته في ذلك اليوم ومنه قوله: “… نعم .. فمن هذه المدينة التاريخية انطلق الشراع العماني حقبة طويلة من الدهر، يجوب البحار والمحيطات، زاهيا متألقا كالغيمة البيضاء الصافية، يحمل الخير إلى أركان الدنيا النائية ويؤوب منها ظافرا بصنوف من السلع والبضائع المتنوعة، في تبادل تجاري كبير ومنتظم، جعل من عمان إحدى المحطات التجارية الهامة على امتداد فترة غير قصيرة من عمر الزمان…”.
احتفالات متنوعة 1996
أما فيما يتعلق بالاحتفال في ذلك اليوم فقد انقسم إلى ثلاثة مهرجانات (المهرجان الطلابي بالمجمع الرياضي بصور الذي افتتح في العام ذاته للمناسبة ذاتها، والمهرجان الشعبي الشعبي بسيح الحسنات في المخيم السلطاني، والمهرجان البحري بخور البطح).
وتجدر الإشارة إلى الدور البارز الذي لعبه شعراء الولاية أمثال الشاعر المغفور له بإذن الله ناصر بن علي البلال والشاعر محمد بن علي بهوان والشاعرة الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسية والشاعر محفوظ الفارسي، والذين جسدوا أسمى الكلمات وأبهاها في لوحات الاحتفال الطلابي بحضور عدد كبير من البحارة القدامى الذين كانت لهم بصمات لا تنسى في المشاركة أمثال: حديد بن بخيت وصالح بن ثويني ملبّق العلوي وجمعة بن خميس الفارسي ومرزوق ملوان العريمي وغيرهم من لا نزال نستمع إلى قصائدهم البحرية الرنانة حتى يومنا هذا.
ولعل أهم ما ميّز المهرجان البحري هو مشاركة 26 سفينة اخترقت خور البطح جيئة وذهابا وهي محملة بالجماهير، حيث قدم الأهالي هديتهم المميزة وهي تمثل السفينة (صُور) التي صنعت خصيصا لهذه المناسبة، واشتمل الاحتفال البحري على العديد من الفنون التي أدتها الجماهير حول الاستراحة السلطانية بخور البطح بمشاركة عدد كبير من البحارة بفنونهم التقليدية إضافة إلى مشاركة الفرق النسائية بالولاية بمختلف فنونها وكانت الأزياء التقليدية حاضرة وفرق الخيالة والإبل بمشاركة بقية ولايات المحافظة في المسيرات التي أديت في ذلك.
ولا أنسى القصيدة العصماء “صُور تحيي القائد” التي طرز حروفها الشاعر الراحل ناصر بن علي البلال والذي يعد أحد أبرز شعراء وأدباء الولاية وهي رائعة من روائع الشاعر وتقول أبياتها:
تاهت على الشعر فرسانا وميدانا
لما اعتلى عرشها باليمن سلطانا
تاهت بكم سيد السادات وانتعشت
بل جددت ذكرها أصلا وأغصانا
تاهت على التيه والأنوار ساطعة
وعابق المجد يجلو المجد ريانا
تهيم بالشعر من “طيوي” مشرِّقة
“لرأس حد” جنوبا نحو جعلانا
تسابق الشعر في أنحائها ألقا
فرنحت به سمارا وركبانا
ماكنت أحسب أن الشعر يسكنها
حتى تغنتك آكاما وشطآنا
واختال شدو العلا تيها بمقدمكم
وردد الموج لحن الخلد نشوانا
فباركت أختها “نزوى” تبشرها
ويممت تحمل البشرى “لسمحانا”
وهزها طربا لقيا جلالتكم
“فرجعت من فنون الشدو ألوانا”
فالبحر ينشد تغريد العلا ثملا
وتعزف الراسيات الشم ألحانا
ونمنمت من نجوم السعد قافية
تشدوكها “سيدي” حبّا وتحنانا
تهللت عسجدا ساحاتها فغدت
وشيا تطرزها درا ومرجانا
وعمّت الفرحة الكبرى مرابعها
فغرّد البلبل الصدّاحُ حذلانا
وازّينت صُور بالأمجاد سابغة
كي تحضن السعد بالأمجادِ مزدانا
لو ما تربعت في عرش الجلال بها
لوافت القصر تزجي الشكر عرفانا
يا نبعنا الصافي المشمول تكرمة
يا رمزنا الخالد المحمود إنسانا
لا يجرؤ الشعر أن يشدوك أغنية
لكنه اجتاحنا ربعا ووجدانا
يا وارث المجد تبني المجد مقتدرا
يا معقل الفخر زنت الحكم سلطانا
أضحت عمان العلا في ظلكم مثلا
يطاول الدهر تشييدا وعمرانا
تدفق الخير في أرجائها غدقا
فعمّها، وانبرى ينهل هتّانا
روى ظما الأرض ولإنسان فانبجست
منابع الفكر دفاقا فروانا
في دولة الأمن والإيمان عزتنا
ترصّع العزة القعساء تيجانا
فمن سيوف أُباة الضيم نجدتها
ومن معين الهدى تنساب إيمانا
قد ضاق عنها فضاء البر فانطلقت
للبحر تملؤه فلكا وفرسانا
سل يوم سلّوت عن أنباء وقعتنا
واستخبر اليمّ تعرب صُور لبنانا
واقرأ شموخا سما في كل زاوية
واسمع حداة العلا تشدوك ديوانا