محمد بن عيسى البلوشي يكتب: متحف عمان البحري ودوره التراثي والسياحي
محمد بن عيسى بن باقول البلوشيى، كاتب وصحفي من أبناء صور العفية
رفعت صواري السفن العمانية من جديد بتوقيع اتفاقيات تمويل مشروع متحف التاريخ البحري بولاية صور، هذه السفن ستلقي (الباورة) في مياه موطنها الأصلي بصور العفية في موقع يقابل (رأس الميل) وبتصميم فريد من نوعه، للمصمم الصوري محمد بن صلاح بن علي البلوشي، عبر أهم جائزة عمانية للتصميم وهي جائزة صاحب السمو السيد بلعرب بن هيثم للتصميم العمراني.
لا شك أن متحف التاريخ البحري بولاية صور سيكون أيقونة متحفية مميزة، وسيضم بين جنباته جميع الحكايا والقصص والأثر البحري العماني، والتي رفعت أشرعتها من هنا قبل مئات السنين، وتوجهت إلى موانئ الكويت ومنها إلى البصرة، وأيضا دلمون وجواذر والهند والسند وزنجبار وجرز القمر وغيرها من موانئ العالم، ليعود كل هذا المخزون التاريخي والحضاري إلى أرض العفية.
وهنا يظهر أهمية مشروع المتحف البحري والتي ارتأت الإرادة السامية الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم –حفظه الله ورعاه- ومن قبله المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد– أسكنه الله الفردوس الأعلى– ليكون هذا المعلم الحضاري والثقافي والإنساني والاقتصادي في ولاية صور تقديرا من دولة البوسعيد للدور الذي لعبته ولاية صور ميناء وإنسانا في حقب تاريخية ستُروى للأجيال المتلاحقة.
وسيخدم المتحف البحري بولاية صور الجانب السياحي والاقتصادي والثقافي ليس على مستوى العفية وولايات جنوب الشرقية فحسب، بل على مستوى سلطنة عمان عموما نظرا لخصوصية مثل هذه المتاحف وندرتها في منطقة الخليج، وما ستحويه من مكنونات تختزل قصص التاريخ البحري العماني ودور السفن العمانية في الملاحة بمنطقة الخليج العربي والعالم، فسفن صور جابت البحار شرقا وغربا، وأخذت الرسالة العمانية الشامخة والخالدة والرصينة والحصيفة تصل إلى موانئ العالم يعلوها عنوان السلام والإخاء والتعاون.
ما يحسب لمشروع المتحف البحري بولاية صور هذا التعاون الوطني والاتفاق الذي جمع ركنين عملاقين وشامخين من أركان المسؤولية الإجتماعية المستدامة في بلادنا العزيزة، وهما الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال والشركة العمانية الهندية للسماد (أوميفكو) لتمويل المشروع بقيمة إجمالية بلغت 12 مليون ريال عماني، وهو بالمناسبة تعاون محمود وشراكة مقدرة ومشكورة من قبل أبناء ولاية صور خصوصا والسلطنة عموما، ويدعونا إلى تقديم فكرة أن يقود جهاز الاستثمار العماني عبر برنامج موحد للمسؤولية الإجتماعية المستدامة مبادرات مستقبلية مماثلة لتمويل المشاريع الوطنية وبناء تحالفات تمويلية بين الشركات الحكومية التي يديرها الجهاز.
إن المهمة التي ينتظرها مكتب سعادة محافظ جنوب الشرقية قبل نهاية مدة المشروع والمحددة بـ (48 شهرا)، هو النظر في كيفية بناء مسارات طرق حديثة تؤدي إلى المتحف البحري وتلبي احتياجات الكثافة المرورية التي ستكون عليها في المستقبل، وأرجو منها أن تشارك أصحاب العلاقة من أبناء المنطقة التي سيقام عليها المشروع وأعضاء مجلسي الشورى والبلدي ممثلي الولاية، حتى نعزز مفاهيم الشراكة المجتمعية لتحقيق أفضل النتائج المستدامة.
وأجد أيضا أنه من الأهمية بمكان النظر إلى مصانع السفن القائمة والقريبة من مشروع المتحف البحري بصور بحيث يتم تطوير المنطقة بشكل متكامل ومتجانس مع قصة التاريخ البحري العماني، هذه الحكاية التي يمكن أن تبدأ بسفر سياحي من مصانع السفن القائمة وتنتهي بالمتحف، ويمكن النظر إلى إقامة بعض المشاريع الاقتصادية والسياحية بالقرب من أول جسر بحري معلق في سلطنة عمان.
إن عودة التاريخ البحري العماني إلى حضن صور العفية من جديد، سيكون نقلة نوعية في مجال حفظ التراث والثقافة في عمان والخليج العربي، وستردد السفن العابرة لبحر عمان من جديد أغاني “اليامال”، وسينشد “النهام” أغنيته “رأس ماله آنه والعمامة صورية”.